فيهم ، قال صاحب المغني : تأتي على بمعنى في كقوله تعالى : (وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ) ـ ١٥ القصص» أي في حين غفلة (سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ) لم يحذر المنافقون حقيقة وواقعا من نزول الوحي في شأنهم لأنهم لا يؤمنون بالله حتى يؤمنوا بوحيه ورسوله ، ولكن قال بعضهم لبعض ساخرا : احذروا أن تنزل سورة في شأنكم ، والدليل على ذلك قوله تعالى بلا فاصل : (قُلِ اسْتَهْزِؤُا إِنَّ اللهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ) وقد فضح سبحانه أمر المنافقين ، واظهر ما في نفوسهم في هذه السورة وغيرها ، وأنذرهم بغضبه وعذابه.
٦٥ ـ (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ) وهذا القول وحده كاف في فضيحتهم ، يدعون الإيمان بالله ، وفي الوقت نفسه يعترفون باللعب في مقدساته! (قُلْ أَبِاللهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ) أبدا لا فرق بين هؤلاء المنافقين الذين استهزؤا بالله وكتبه ورسله وبين الذين يحرفون الدين تبعا لغاياتهم وأهوائهم ، لأن كلا منهما أبطن غير ما أعلن ، وقال غير ما فعل.
٦٦ ـ (لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ) لم يؤمن المنافقون طرفة عين ، فكيف ساغ خطابهم بقوله سبحانه (بَعْدَ إِيمانِكُمْ)؟ الجواب : قبل أن يعترفوا بالاستهزاء كانوا كافرين واقعا مسلمين ظاهرا للنطق بالشهادتين ، فجرى عليهم حكم الإسلام ، وبعد الاعتراف بالاستهزاء صاروا كافرين واقعا وظاهرا ، فجرى عليهم حكم المرتدين ، وعليه يكون معنى قوله : (قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ) قد أظهرتم الكفر بعد أن أظهرتم الإيمان (إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ) لأنها اهتدت وأنابت (نُعَذِّبْ طائِفَةً) لأنها أصرت على الكفر والنفاق.
٦٧ ـ (الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ) شرا وكفرا (يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ) وجاء في الحديث أن رسول الله (ص) قال : «كيف أنتم إذا رأيتم المعروف منكرا والمنكر معروفا؟ قالوا : أو يكون ذلك يا رسول الله؟ قال : نعم كيف أنتم إذا أمرتم بالمنكر ، ونهيتم عن المعروف» (وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ) عن الإنفاق في سبيل الخير (نَسُوا اللهَ) وهو موجود في كيانهم بصنعه وآثاره (فَنَسِيَهُمْ) بحرمانهم من رحمته.
٦٨ ـ (وَعَدَ اللهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْكُفَّارَ ..) بقصم الظهور والويل والثبور بعد الإعذار والإنذار.
٦٩ ـ (كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) الخطاب للمنافقين المعاصرين لرسول الله (ص) وأنهم فعلوا مثلما فعل المنافقون الأولون مع أنبيائهم (كانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوالاً وَأَوْلاداً فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ) بنصيبهم من زينة الحياة الدنيا (فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ) بنصيبكم منها (كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا) أي أنتم أيها المنافقون في عهد محمد (ص) تماما كالمنافقين الذين من قبلكم شرا وقبحا وضلالة (أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ) ودارت عليهم الدوائر وسيصيبكم ما أصابهم ، فاتعظوا بالذين خلوا من قبلكم قبل أن يتعظ بكم من يأتي بعدكم.