زِينَةً وَأَمْوالاً فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) نزلت هذه الآية في زمن لم يكن الناس يعرفون شيئا عما تحتويه قبور الفراعنة ثم كشف الحفر والتنقيب فيها عن هذه الأموال والزينة التي نص عليها القرآن ، وهذا شاهد محسوس لا يقبل الشك والريب في أن القرآن وحي من علام الغيوب (رَبَّنا لِيُضِلُّوا) اللام للعاقبة مثل لدوا للموت (عَنْ سَبِيلِكَ) أي كان عاقبة الانعام عليهم من الله بالزينة والمال ، وإن ضلوا وعصوه بدلا من أن يطيعوه (رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ) بمحقها وتدميرها (وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ) من الشدة والبلاء ضد الراحة والرخاء (فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ) هذه الجملة معطوفة على ليضلوا عن سبيلك ، والمعنى : أن عاقبة تقلب فرعون وملائه في نعم الله أن ضلوا وأصروا على الكفر ، وان لا يؤمنوا إلا عند حدود العذاب حيث لا يقبل الإيمان.
٨٩ ـ (قالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما) انزال الآفات على أموال فرعون وملائه والمصائب والشدائد على قلوبهم (فَاسْتَقِيما) على الجهاد في سبيل الدعوة إلى الحق (وَلا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) عظمة الله وحكمته. وجاز هنا نهي المعصوم عن الذنب لأنه من الله ، لا من سواه ، فإن من شأن الأعلى أن يأمر وينهى ما دونه كائنة ما تكون منزلته.
٩٠ ـ (وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً) سبق نظيره في سورة البقرة الآية ٥٠ وسورة الأعراف الآية ١٣٨. (حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ) وبالأمس كان ينتفخ ويقول : أنا ربكم الأعلى (قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ) وهذا هو شأن الخسيس اللئيم يتعاظم عند النعماء ، ويتصاغر عند البأساء.
٩١ ـ (آلْآنَ) وبعد أن فات ما فات تقول : آمنت (وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ) حيث كان الخيار بيدك في التوبة والرجوع إلى الحق ، ولكنك طغيت وبغيت (وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) فذق جزاء عملك بالغرق والهلاك.
٩٢ ـ (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ) لا بروحك ونلقي بجثتك على نجوة من الأرض ليشاهدها من كان يعظم من شأنك (لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً) يتعظ بها كل من تحدثه نفسه بالسير على طريق الفساد ولكن ما أكثر العبر ، وأقل الإعتبار (وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ) وغير مغفول عنهم.
٩٣ ـ (وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ) أنزلناهم (مُبَوَّأَ صِدْقٍ) أي منزل صدق ، والمراد بالصدق هنا الخصب بدليل قوله تعالى : (وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) ولكنهم كفروا بأنعم الله (فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ) المراد بالعلم هنا توراة موسى التي تحتوي على الإخبار بنبوة محمد (ص) وكان اليهود قبل نزولها متفقين جميعا على دين الشيطان كفرا وضلالا ، وبعد التوراة اختلفوا فرقا وشيعا.