٩٤ ـ ٩٥ ـ (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ) الخطاب في ظاهره لمحمد ، وفي واقعه لكل من يشك فيما تحدث عنه القرآن من قصة موسى وغيره من الأنبياء.
(فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ) أي علماء التوراة التي نزلت على موسى وعلماء الإنجيل المنزل على عيسى (لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ) المراد بالامتراء الشك ، والمعنى بلغ الناس يا محمد أن من يشك أو يكذب بالذي أنزل إليك من ربك فهو من المعذبين الخاسرين.
٩٦ ـ (إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ) أي استحقوا عذاب ربك هم الذين (لا يُؤْمِنُونَ).
٩٧ ـ (وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ) أصروا على العناد والمكابرة حتى ولو قام ألف دليل أللهم إلا أن يشاهدوا العذاب ، ولا إيمان بلا طاعة ورضا.
٩٨ ـ (فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ) قال الرواة والمفسرون : كان قوم يونس بنينوى من أرض الموصل يعبدون الأصنام ، فنهاهم عن الكفر ، وأمرهم بالتوحيد ، فأجابوه بالتمرد والعناد ، ولما يئس منهم رحل عنهم مغاضبا ، وما ابتعد عنهم إلا قليلا حتى أتتهم طلائع الهلاك ، فتابوا إليه تعالى مخلصين ، فكشف عنهم (عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ) أي أبقاهم إلى آجالهم المكتوبة.
٩٩ ـ (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً) لو شاء سبحانه أن يلجئ الناس إلى الإيمان بمشيئته التكوينية بحيث لا يستطيعون الكفر بحال ـ لما وجد على ظهرها كافر ، ولو فعل لم يكن للإنسانية عين ولا أثر حيث لا إنسانية بلا حرية ، وتقدم في الآية ٤٨ من المائدة وغيرها. (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) أبدا لا جبر ولا إكراه في الإيمان ، لأنه من عمل القلب ، ولا سلطان عليه الا للذي خلقه هكذا ، وجعله في حمى محمي حتى من صاحبه ، وأيضا ليس لأحد ـ غير الله ـ وان كان نبيا أن يحاسب أو يعاقب إنسانا على رأي أو عقيدة إلا أن يسفك دما أو يفسد في الأرض.
١٠٠ ـ (وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) ما من نفس تؤمن بالله تلقائيا وبلا سبب موجب ، بل تؤمن بالنظر إلى لطائف صنعه وعجائب خلقه ، والدليل على إرادة
____________________________________
الإعراب : النون في قوله : (فَلا تَكُونَنَ) للتأكيد ، ودخلت على المضارع لمكان لا الناهية. و (حَتَّى يَرَوُا) أي ان يروا. ويروا هنا تتعدى الى مفعول واحد لأنها بصرية ، لا قلبية.