١١٣ ـ (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ) وقال ابن عباس حول هذه الآية : إذا كان هذا هو حال من لا يصدر عنه إلا مجرد ركون ، ولم يشترك في قول أو فعل ، فالويل كل الويل لمن أطرى وشارك ، وقال آخر : ولا يحسبن الذين يسكتون عن الظالم أنهم في منجاة من سوء المنقلب ، فإن العقوبة لا تترك في ديار الظالمين وحدهم ، بل تتعداها إلى الساكت عنهم.
١١٤ ـ ١١٥ ـ (وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ) والطرف الأول من النهار الصبح ، والثاني الظهر والعصر ، والزلف من الليل الساعات الأولى منه القريبة من آخر النهار ، من أزلفه إذا قربه ، والمراد بزلفا من الليل هنا المغرب والعشاء.
(إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ) تنقسم السيئات إلى نوعين : الاعتداء على حق من حقوق الناس ، وهذا النوع لا يمحوه شيء حتى التوبة إلا أن يؤدي المسيء إلى المخلوقين من حقوقهم حتى يلقى الله أملس ليس عليه تبعة كما قال الإمام علي (ع) ومن هنا سمي هذا النوع بالحق الخاص.
النوع الثاني أن يتهاون المسيء بحق من حقوق الله سبحانه ، ولا شائبة فيه لمخلوق وهذا تمحوه التوبة الصادقة الخالصة أيا كان نوعه حتى الشرك ، ما في ذلك ريب ، وإذا مات المسيء المتهاون بحقه تعالى قبل أن يتوب ، وكان له شيء من الحسنات فعندئذ تجري عملية الموازنة والمقارنة بين حسناته وسيئاته (فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) ـ ١٠٣ المؤمنون». وعليه يكون معنى الآية : بعض الحسنات يذهبن بعض السيئات ، وهذا المعنى يستقيم ويتفق مع العدالة الإلهية (ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ) ذلك إشارة إلى ما تقدم ذكره من الأمر بالاستقامة وإقامة الصلاة والنهي عن الركون إلى الظالمين والمقارنة بين الحسنات والسيئات.
١١٦ ـ (فَلَوْ لا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ) من أهل الدين والفضل ، يقال : فلان بقية السلف الصالح أو من بقية القوم أي من بقي منهم بعد ذهاب أكثرهم (يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنا مِنْهُمْ) سبحانه : ظهر الفساد وكثر في الأمم الماضية ... وما من أحد جاهد وقاوم ضد من طغى وأفسد إلا قليلا من الأفراد وهذا هو السبب الموجب والأساس لما حل بتلك الأمم من هلاك ودمار ، ومعنى هذا أنه لا يسوغ بحال أن نسكت ونتهاون مع المذنب المخرب ، وأن مسؤوليتنا تحتم تكوين جبهة قوية تحاسب المعتدي حسابا عسيرا وإلا انتشر فساده كالوباء يأتي على الأخضر واليابس. قال سبحانه : (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ) ـ ١٩٣ البقرة» (وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ما أُتْرِفُوا فِيهِ) قال الشيخ الطبرسي في جوامع الجامع : أراد سبحانه بالذين ظلموا تاركي النهي عن المنكرات ، لأنهم اكتفوا بالعيش الهني ، ورفضوا ما وراء ذلك وهذا ما لمسناه بالحس والعيان ، فأكثر الناس إذا توفرت لهم لقمة العيش رضوا بها ، واطمأنوا إليها ، وليكن ما كان ١١٧ ـ (وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ) بظلم الباء زائدة ، وظلم حال بمعنى ظالم أي لا يهلكها ظالما بها ، بل يجري الأمور على أسبابها ، ويعامل الإنسان بما يختاره لنفسه ، فإذا أراد الخير والصلاح وسعى له سعيه سالكا إليه طريقه ـ أمده تعالى بتوفيقه وعونه ، ويستحيل في عدله وحكمته أن يصرفه عنه