فعل إطلاقا ، ولا كلام إلا لمن أذن له الرّحمن (فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ) تبعا لسعيه وعمله ، وقال بعض العارفين : علامة السعادة الاخروية أن تطيع الله ، وتخاف أن تكون مردودا وعلامة الشقاوة أن تعصي الله ، وترجو أن تكون مقبولا ، ثم حدد سبحانه مصير أهل الشقاوة بقوله :
١٠٦ ـ ١٠٧ ـ (فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ) الزفير إخراج النفس والشهيق رده.
١٠٨ ـ (وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها) هذا هو مصير الصادق المخلص : ملك دائم ونعيم قائم.
١٠٩ ـ (فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ) الخطاب لمحمد (ص) وهؤلاء إشارة إلى قومه الذين كذبوه ، وما شك النبي في ضلالهم ، ولكن القصد توبيخهم وتحذيرهم.
١١٠ ـ (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) التوراة (فَاخْتُلِفَ فِيهِ) والذين اختلفوا في التوراة هم قوم موسى بالذات ، فمنهم من آمن به ، ومنهم من كفر (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ) وهي تأجيل الجزاء إلى يوم يبعثون (لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) الآن بالانتقام من المبطل ، والإنعام على المحق (وَإِنَّهُمْ) الجاحدين (لَفِي شَكٍّ مِنْهُ) من الكتاب (مُرِيبٍ) ووصف الشك بالمريب كوصف العجب بالعجيب ، يراد منه مجرد التوكيد.
١١١ ـ (وَإِنَّ كُلًّا) من الجاحدين والمؤمنين (لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ) إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر.
١١٢ ـ (فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَمَنْ تابَ مَعَكَ) الخطاب لمحمد (ص) ولكل من آمن بالله ورسله ، والاستقامة بمعناها القرآني الثبات والاستمرار في العمل بكتاب الله وسنة نبيه وبحكم العقل الذي خاطبه سبحانه بقوله : «ما خلقت خلقا أحب إليّ منك ، ولا أكملتك إلا فيمن أحب» وقد أرشدنا سبحانه إلى من يحب بصراحة ووضوح في الآية ٥٤ من المائدة (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ).
(وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) والمراد بالطغيان البغي والعدوان ، وهو من أكبر الجرائم والمآثم حتى ولو كان على مشرك.
____________________________________
الإعراب : وفي النار متعلق بمحذوف أي فيستقرون في النار ، وخالدين حال من ضمير يستقرون. و (ما دامَتِ) ما مصدرية ظرفية أي مدة دوام السموات والأرض ، والظرف متعلق بخالدين و (عَطاءً) منصوب على المصدرية ، وغير مجذوذ صفة للعطاء. و (نَصِيبَهُمْ) مفعول لموفوهم ، وغير منقوص حال من نصيبهم. (وَمَنْ تابَ) في موضع رفع عطفا على الفاعل في استقم ، ويجوز النصب على ان تكون مفعولا معه