(وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ) وفيها يقذف بالحق على الباطل فيدمغه ويزهقه (فَاصْفَحِ) يا محمد (الصَّفْحَ الْجَمِيلَ) عمن كذبك وجمع لحربك ، ولما ذا يصفح محمد عن هذا اللئيم الأثيم؟ أبدا لا لشيء إلا لأن محمدا نبي وكفى.
٨٧ ـ (وَلَقَدْ آتَيْناكَ) يا محمد (سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ) وفي تحديد السبع المثاني خمسة أقوال ، وأرجحها عندنا أنها سورة الفاتحة فهي سبع آيات ، والمثنى بها في الصلاة ، وتجمع بين ذكر الربوبية والعبودية ، إذن هي سبع بآياتها ، ومثاني بصفاتها.
٨٨ ـ (لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ) المراد بالأزواج هنا الأصناف ، وفي قواميس اللغة أن الزوج يأتي بمعنى الصنف والشكل. وفي الآية ٥٨ من ص : (وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْواجٌ) أي أصناف ، وفي الآية ٣٦ من يس : (سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ) وعليه يكون المعنى استغن يا محمد بما آتاك الله من النبوة والجاه والقرآن العظيم ـ عن كل أصناف الزينة وأسباب الترف التي يتمتع بها الجاحدون وغيرهم من سائر الأديان (وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ) أبدا لا يهمك عناد من كفر ، وكفر من أدبر ، فإنك في مقام أمين وكريم.
(وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ) والله سبحانه الذي خاطب نبيه الكريم بهذا الأمر ، شهد له في الآية ١٢٨ من التوبة بالرأفة والرحمة على كل مؤمن : (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) وقال الرسول الأعظم (ص) لأصحابه : «إن أحبكم إلى يوم القيامة وأقربكم مجلسا أحسنكم خلاقا المواطئون أكنافا الذين يألفون ويؤلفون».
٨٩ ـ (وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ) الداعي دعوة الحق بأدلتها وبراهينها القائمة ما قام الليل والنهار.
٩٠ ـ ٩١ ـ (كَما أَنْزَلْنا) كما متعلق بآتيناك سبعا ، والمعنى أنزلنا عليك كتابا كما أنزلنا كتابا (عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ) جمع عضة عضة بمعنى جزء وعضو وبعض ، والذين جعلوا القرآن عضين هم اليهود والنصارى حيث جزأوه أجزاءا من حيث الكفر والإيمان ، فآمنوا ببعضه الذي يتفق مع أهوائهم ، وكفروا ببعضه الآخر الذي يصطدم معها ، وهؤلاء الذين جعلوا القرآن عضين هم عين المقتسمين ـ أي قسموا القرآن أجزاءا كفرا ببعض وإيمانا ببعض ـ وعليه يكون المعنى لما ذا أهل الكتاب يكذبون بنزول القرآن وينفرون منه علما بأنهم يعترفون بنزول التوراة والإنجيل ويؤمنون بهما ٩٢ ـ ٩٣ ـ (فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ) يتحمل الإنسان العديد من المسئوليات ومنها المسئولية عما يسمع ويبصر حيث يجب عليه أن لا يقبل أو يرفض شيئا منهما إلا بعد التأمل والروية. قال سبحانه : (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً) ـ ٣٦ الإسراء.» وقد سمع الجاحدون المعاندون من محمد دعوة الحق وأدلتها ، وأبصروا هديه وأمانته فكان عليهم أن يستخدموا عقولهم في دعوته ويفكروا بروية قبل أن يسرعوا إلى القول : (حَسْبُنا ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا) ـ ١٠٤ المائدة».
٩٤ ـ ٩٦ ـ (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ) أعلن يا محمد كلمة الحق ـ وادع ولا تخف لومة لائم (وَأَعْرِضْ عَنِ