٨٥ ـ (فَأَتْبَعَ سَبَباً) استعمل أسباب القوة في مواضعها بدقة وحكمة ، ومن أجل هذا أثمر عمله ، وعمّ نعمه ، وخلد أثره ٨٦ ـ (حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ) ذهب ذو القرنين إلى بلاد المغرب مجاهدا في سبيل الله (وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ) الحمأ : الطين الأسود ، والمعنى انتهى ذو القرنين في سيره إلى بحر على شاطئه طين أسود بحيث يتراءى للعين أن الشمس تغيب فيه وتختفي (وَوَجَدَ عِنْدَها قَوْماً) أمة ضالة كافرة (قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً) تدعو يا ذا القرنين هذه الأمة الضالة إلى الإيمان وصالح الأعمال فمن استجاب فلا سبيل لك عليه «فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين ١٩٣ البقرة» ومن أصر على الكفر والضلال فأنت مخيّر بين عقابه وإمهاله عسى أن يتوب ويؤوب إلى الرشد ، وإن قال قائل : ان الآية لم تشر إلى من سمع وأطاع فكيف حشرته في تفسيرها؟ قلنا في جوابه : إن كثيرا من المفسرين قالوا : إن الله ترك لذي القرنين التصرف في أهل تلك البلاد دون استثناء! وهذا لا يتفق مع عدالته تعالى بحال ، وإذا كان سبحانه ترك ذكر السامع المطيع فلأنه معلوم لذي القرنين وغيره بحكم الفطرة والبديهة.
٨٧ ـ (قالَ) ذو القرنين : (أَمَّا مَنْ ظَلَمَ) نفسه بالإصرار على الفساد والضلال (فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ) بما يستحق (ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ) يحاسبه ويعاقبه.
٨٨ ـ (وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى) هذا هو الحق والعدل : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) ـ ٨ الزلزلة.
٨٩ ـ (ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً) ثم رجع ذو القرنين من بلاد الغرب إلى بلاد الشرق مجاهدا في سبيل الله كما قال سبحانه :
٩٠ ـ (حَتَّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ) أي بلاد الشرق (وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً) لا بيوت تسترهم ولا أشجار تظلهم من الشمس ، وكانوا أشبه شيء بوحوش الفلوات ، ولم يذكر سبحانه ماذا فعل ذو القرنين بهؤلاء ٩١ ـ (كَذلِكَ) إشارة إلى أمر ذي القرنين (وَقَدْ أَحَطْنا بِما لَدَيْهِ خُبْراً) لا ريب في أنه تعالى أحاط بكل شيء علما.
٩٢ ـ (ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً) ثم رحل ذو القرنين رحلة ثالثة ٩٣ ـ (حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ) بين جبلين في طرف من أطراف الأرض. وفي مجلة العربي الكويتية العدد ١٨٤ ص ١٣٤ : أن الجبلين في القوقاز (وَجَدَ مِنْ دُونِهِما قَوْماً لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً) لا هم يفهمون لغة ذو القرنين ولا هو يفهم لغتهم ، ولكنه فهم مطالبهم بالحركات والإشارات أو بواسطة مترجم بدليل قوله تعالى ٩٤ ـ (قالُوا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا) في العدد المذكور قبل لحظة من مجلة العربي نقل عبد المنعم النمر مدير البعثات والثقافة بالأزهر عن أبي الكلام آزاد أن الموطن الأصلي ليأجوج ومأجوج منغوليا وقبائلها الرحل وأن مكان السد بين بحر قزوين والبحر الأسود حيث توجد جبال القوقاز ، وأن سد الصين غير سد ذي القرنين لأن الأول بني سنة ٢٦٤ ق. م والثاني في القرن السادس ق. م ونحن هنا وفي التفسير الكاشف نروي عن الآخرين ، ولانجزم بشيء إلا بما يدل عليه صريح القرآن الكريم.
٩٥ ـ (قالَ) ذو القرنين للذين طلبوا منه أن يبني لهم سدا ويجعل لهم خرجا : (ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي) من سلطان ومال (خَيْرٌ) من خرجكم ومالكم ، فأنتم أحوج.