(ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ) وإذن فأي فضل له على غيره ، ولو أكل الألذّ والأطيب ، وشرب الأحلى والأشهى ، ولبس الأثمن والأغلى ، وسكن العلالي والقصور ـ لكان له الأفضليّة على سواه!. وهذا هو منطق الناس حتى في عصرنا هذا ، وقرأت من جملة ما قرأت أن معبود الجماهير في أمريكا وأوروبا هو الأكثر والأعظم مالا وثراء! ...
٣٥ ـ ٣٨ ـ (أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ) ـ (هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ ...) إنه كذاب أو مجنون. ولما ذا؟ لأن تنفيذ الوعيد والتهديد محال وممتنع بالذات تماما كقول القائل : سأفعل كذا وكيت بالذي لا عين له ولا أثر أو سأعذّب وأشنق هذا الحجر! ... قالوا هذا ذاهلين عن وجود الله وعظمته ، وأن الذي أوجد الشيء من لا شيء على رجعه لقادر ، وأن إعادة البيت المهدوم أهون وأيسر من إيجاده وإنشائه.
٣٩ ـ (قالَ) الرسول (رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ) فسمع سبحانه دعاء رسوله واستجاب له.
٤٠ ـ (قالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ) على كفرهم وعنادهم.
٤١ ـ (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ) وهي صيحة العذاب (بِالْحَقِ) أي بما كسبت أيديهم (فَجَعَلْناهُمْ غُثاءً) هلكى كزبد السيل.
٤٢ ـ (ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُوناً آخَرِينَ) أمما وخلائق كثيرة ، منها معلوم ومنها مجهول.
٤٣ ـ ٤٤ ـ (ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ) كل ما عدا الله سبحانه له أجل مكتوب وأمد معيّن ، لا يتقدم عليه أو يتأخر عنه ، ومنه هلاك الأمّة وانقراضها (ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا) بعثنا الرسول بعد الرسول (كُلَّ ما جاءَ أُمَّةً رَسُولُها كَذَّبُوهُ) ومن الأسباب الموجبة لهذا التكذيب أن الأنبياء والرسل يخاطبون الجمهور وسواد الناس ، ويحاولون إقناعهم بلغة العقل والقيم والأريحيّة النبيلة ... وقد تجدي هذه اللغة مع النخبة المختارة من ذوي العقل والعلم ، أما السواد فلا يفهم ـ في الغالب ـ إلا بلغة الرغبة والرهبة أو المحاكاة والتقليد (إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ) ـ ٢٢ الزخرف» أمّا من أسلم واتّبع الرسل من السواد فإنه أسلم في البداية رغبة في التحرر من الرق والجور ـ غالبا كما أشرنا ـ ثم تمكن الإيمان في نفسه ورسخ مع الأيام ، ولا بأس ، لأن الإسلام وكل دين سماوي يقف إلى جانب المعذبين في الأرض ، ما في ذلك ريب.
___________________________________
الإعراب : و (مُخْرَجُونَ) خبر (أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ) ، وانكم الثانية تأكيد لأنكم الأولى ، وتكررت للفاصل الطويل ، والمصدر من انكم الاولى واسمها وخبرها مفعول ثان ليعدكم أي (يَعِدُكُمْ) الإخراج. و (هَيْهاتَ) اسم فعل بمعنى بعد ، ويحتاج الى فاعل ، وفاعله ضمير مستتر يعود الى الإخراج أي بعد إخراجكم. و (عَمَّا قَلِيلٍ) ما زائدة اعرابا وقليل مجرور بعن ، والمجرور متعلق بيصبحن واللام لا تمنع من ذلك لأنها لمجرد التأكيد كما قال أبو البقاء في كتاب الاملاء. و (فَبُعْداً) مصدر في موضع الفعل أي بعدوا بعدا.