دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً) على أنفسكم معناه يسلم بعضكم على بعض ، مثل (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) ـ ٢٩ النساء» ولا بأس في سلام الإنسان على نفسه فنحن نقول في آخر الصلاة : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.
٦٢ ـ (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ) وهو ، الذي يستدعي أن يتعاون عليه الجميع (لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ) كان المنافقون يتهربون ويتسللون من مجلس الرسول دون الاستئذان كلما دعا المسلمين لأمر مهم ، فنهى سبحانه عن ذلك ، وأوجب الاستئذان من النبي قبل الانصراف (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ) يا محمد (أُولئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ) حقا وواقعا ، أما الذين لا يستأذنون أو يتعللون بالأعذار الكاذبة فهم أبعد الناس عن الإيمان والإسلام ، ولا ينطقون بكلمته إلا كذبا ونفاقا (فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ) فوض سبحانه تقدير العذر الموجب للإذن إلى نبيه الكريم ، فإن رآه مبررا أذن لصاحبه ، ودعا له بالمغفرة وإلا رده وأعرض عنه.
٦٣ ـ (لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً) لا تدعوا النبي باسمه وكنيته ، بل بأعظم صفاته وأجلّها مثل يا نبي الله ويا رسول الله (قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً) تسلل وانسل : انطلق في استخفاء ، ولاذ به : التجأ إليه أو استتر به ، وهذا هو المراد هنا ، والمعنى أن الله سبحانه يعلم كيف يتسلل المنافقون من مجلس الرسول حين يذكر الجهاد ونحوه متسترا بعضهم ببعض (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) هذا تهديد ووعيد للطغاة والعصاة أن تصيبهم في الدنيا فتنة كالحرب الأهلية تطحنهم وتبيدهم ، أو يؤجل عذابهم ليوم عظيم.
٦٤ ـ (أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ ...) الله هو الغني لأنه مالك الملك ، والعليم بكل باطن وخفي ، ومنتقم يقصم ظهور الطغاة ، وينكل بالعصاة ، وتقدم تكرارا ، ومن ذلك الآية ٤٢ من هذه السورة. ونسأله تعالى التمام بالنبي وآله خير الأنام عليهم أفضل الصلوات والسلام.
___________________________________
الإعراب : (الْمُؤْمِنُونَ) مبتدأ ، و (الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ) خبر. (كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً) دعاء مصدر مضاف الى فاعله وبعضا مفعول ، والمعنى لا تدعوا الرسول كما يدعو بعضكم بعضا. ولو إذا مصدر في موضع الحال أي ملاوذين. والمصدر من أن تصيبهم مجرور بمن محذوفة ويتعلق بيحذر ويوم معطوف على ما أنتم أي يعلم ما أنتم عليه ويعلم يوم يرجعون.