وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ) ان وقتنا أعز وأثمن من اللغو والعبث ، ومن مخاطبة السفهاء ومخالطتهم في شيء ، وكل من بادر إلى الكلام بما يخطر على ذهنه أو يتكلم بما لا ينفع ويقول بما لا يعلم فهو أحمق. فكيف إذا أساء إلى الناس بسفاهته وسفالته.
٥٦ ـ (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) كل شيء بيد الله تعالى ومشيئته حتى مع وجود سببه الكافي الوافي الذي لا ينفصل عنه المسبب بحال ، لأنه تعالى هو خالق الأسباب وإليه ينتهي كل شيء ، ولكنه تعالى لا يشاء ولن يشاء إلا بموجب علمه وحكمته لأن العبث والشهوة والمجازفة تستحيل في حقه ، وعليه يكون معنى الآية أنت يا محمد تريد الهداية لكل الناس القريب منهم والبعيد ، ولكن العديد من الناس لا يريدونها ، وأيضا الله لا يريد الهداية ممن يأباها ويعرض عنها ، بل يريدها ممن علم فيه الخير والرغبة في الهداية والسعي وراءها ، ولذا ختم الآية بقوله تعالى : «والله أعلم بالمهتدين» أي يهدي من يشاء بموجب علمه بأن هذا العبد يريد الهداية ويسلك سبيلها حقا وواقعا ، ولا يشاء الهداية سبحانه عبثا وجزافا ، ومثله تماما الآية ٢٣ من الأنفال : (لَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ) أما الحكمة في أن الله سبحانه لا يريد الهداية إلا ممن أرادها فهي أن مفهوم الدين لا يمكن أن يتحقق بحال إلا مع الإرادة والرضاء التام ، لأن من أخص خصائص الدين أن يتحمل الإنسان مسؤولية عمله ، ولا مسؤولية مع الجبر والإكراه.
٥٧ ـ (وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا) قال بعض مشركي مكة للرسول : ان دعوتك هدى وحق ، ولكن العرب يأبونها وينفرون منها ، فلو آمنا بها واتبعناك لتألبوا علينا ، وأهلكونا بالقتال (أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ) لا حجة في هذا العذر ، لأن الحرم المكي في أمن وأمان من الحرب والقتال ومن الجوع والحصار.
٥٨ ـ (وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ ...) ما لكم؟ تتمردون وتعاندون الله ورسوله ، ألا تتعظون بالهالكين من قبلكم؟ عصوا وتمردوا ، فأهلكناهم وتلك ديارهم خالية وآثارهم عافية.
٥٩ ـ (وَما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها) أي أكبرها أو عاصمتها كمكة آنذاك (رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا) والرسول هنا يعم ويشمل النبي والعقل والكتاب السماوي والسنّة المعصومة ، وتقدم في الآية ١٥ من الإسراء.
٦٠ ـ (وَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَزِينَتُها) ولا فجوة بين الآخرة وزينة الحياة الدنيا إن تك حلالا (وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقى) لأن نعيم الدنيا زائل ونعيم الآخرة دائم.
٦١ ـ (أَفَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْداً حَسَناً ...) وعد سبحانه المتقين بالنعيم ، والعصاة بالجحيم ، وهو منجز وعده لا محالة فمن هو الرابح غدا؟