الأقوياء (لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ) فيأخذ الشريك الأقوى سهمه وزيادة (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَقَلِيلٌ ما هُمْ) القوة على الحق إن تكن في أيدي الأشرار ، وللحق إن ملكها الأخيار ، ولكن أين هم؟ وقد تجد واحدا منهم ، ولكن في زوايا الحرمان والنسيان (وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ) ابتليناه (فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ) بعد ما حكم داود لأحد الخصمين فطن وتنبه إلى أنه حكم له قبل أن يدلي الخصم الآخر بحجته ، فندم وطلب العفو من الله ، فغفر له ، لأنه غير قاصد وعامد.
٢٦ ـ (يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ) كل راشد عاقل هو خليفة الله في أرضه ، بمعنى أنه مسؤول أمام الله ومجتمعه عن العمل الذي يحدد نوعه ومداه ما يملك من طاقة ومؤهلات ، وروى الكليني في أصول الكافي عن الإمام الصادق (ع) : إن الله يحتج على الناس بما آتاهم وعرفهم ... ويوم القيامة يضرب الفقراء باب الجنة. فيقال لهم : من أنتم؟ فيقولون : نحن الفقراء. فيقال : كيف تأتون قبل الحساب؟ فيقول الفقراء : ما أعطيتمونا شيئا تحاسبونا عليه. فيقول الله : صدقوا ، ادخلوا الجنة (فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ ...) على كل عالم أن يقضي ويفتي بالحق وإلا شمله الحساب الدقيق العسير والعذاب الشديد الأليم ، ولا فرق بين حاكم وآخر سوى ان تبعات الأنبياء والأوصياء تقدر بمكانتهم وبمنزلتهم.
٢٧ ـ (وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً) لا كريم بلا بذل وعطاء ، ولا قادر بلا مقدور عليه ، ولا خالق بلا خلق وإيجاد وإلا تعطلت الصفات وكان وجودها وعدمها. بمنزلة سواء ، ومن الحكم البالغة لوجود الكون بنظامه وأحكامه أنه الأسلوب الوحيد للكشف عن وجود الله سبحانه وقدرته وعلمه وحكمته ، وتقدم في الآية ١٩١ من آل عمران و ١١٥ من المؤمنين؟ (ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا) ذلك إشارة إلى زعم الماديين بأن الكون وجد صدفة وبلا حكمة وقصد ، وهذه شنشنة الذين لا يؤمنون إلا بما تراه العيون ، أما العقل فهو خادم للعيون وأداة لها.
٢٨ ـ (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ ...) أبدا لا يستقيم مع العدل الإلهي أن يستوي مصير المؤمن والكافر والبار والفاجر. وفي أحكام القرآن للقاضي المالكي أبي بكر المعروف بابن العربي : أن هذه الآية نزلت في بني هاشم المتقين وفي المفسدين الفجار من بني عبد شمس.
٢٩ ـ (كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ) يا محمد (مُبارَكٌ) على من تدبره وظهر أثره في أخلاقه وأعماله وإلا فكم من قارئ للقرآن والقرآن يلعنه
___________________________________
الإعراب : (إِلَّا الَّذِينَ) استثناء من بعضهم. وقليل خبر مقدم و «ما» زائدة وهم مبتدأ. وراكعا حال. وأنما فتناه الأصل أننا فتناه و «ما» كافة. وذلك مفعول غفرنا.