تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً) تفتح هذه الآية باب التوبة على مصراعيه لكل مذنب مهما عظم الذنب وقبح ، ولا تدع له من عذر وكذلك آيات التخويف والتحذير فإنها تتضمن الدعوة إلى التوبة ، وقد وصف سبحانه نفسه بالتواب ـ بمعنى يقبل التوبة ويهيء أسبابها ـ في أكثر من عشر آيات معطوفا على كل ذلك قوله تعالى : (إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ) ـ ٨٧ يوسف ... (وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ) ـ ٥٦ الحجر».
٥٤ ـ (وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ ...) بعد ما دعا سبحانه المذنبين إلى التوبة ردد وأكد الأمر بها والإخلاص فيها عملا لا قولا ، فإنها الدرع الواقية من غضب الله يوم الحساب والجزاء.
٥٥ ـ (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ بَغْتَةً) ما زال الكلام مع المذنبين وعنهم وكل الآيات التي نزلت في حقهم نهي وذم وتهديد ، وأحسنها بالنسبة إليهم آيات التوبة والبشارة بقبولها وإلا فلا شيء مما أنزل الله أحسن من شيء بالنسبة إليه تعالى.
٥٦ ـ (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى ...) من أهمل التوبة في دنياه يشعر غدا بالخسران ، وتذهب نفسه حسرات على ما فات.
٥٧ ـ (أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللهَ هَدانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) وهكذا المهمل الفاشل يلقي التبعة على الله أو الحظ أو الزمن أو على الناس والمجتمع.
٥٨ ـ (أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً) رجعة إلى الدنيا لاتقيت وأحسنت. هيهات أن يرجع ما قد فات.
٥٩ ـ (بَلى قَدْ جاءَتْكَ آياتِي ...) كيف تقول : لو أن الله هداني! لقد دعاك سبحانه إلى الهداية ، فأبيت عن إرادتها بإرادتك ، وعليه فأنت المسيء إلى نفسك بنفسك.
٦٠ ـ (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا) من أشرك بالله أو حلل وحرم من غير علم أو تولى منصبا عاما بلا أهلية وكفاءة أو ادعى العلم بدين الله من غير حق ـ فقد كذب على الله بلا شك ، وجهنم مقامه ومثواه.
٦١ ـ ٦٢ ـ (وَيُنَجِّي اللهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفازَتِهِمْ)
___________________________________
الإعراب : (جَمِيعاً) حال من الذنوب. و (بَغْتَةً) مصدر في موضع الحال من العذاب أي باغتا. والمصدر من أن تقول نفس مفعول من أجله لاتبعوا. (يا حَسْرَتى) الأصل يا حسرتي ثم قلبت الياء ألفا ، وان كنت «ان» مخففة من الثقيلة واسمها محذوف أي واني كنت واللام في «من» هي الفارقة بين ان النافية والمخففة. فأكون مضارع منصوب بأن مضمرة في جواب لو التي تفيد التمني. وبلى واقعة في جواب لو ان الله هداني لأن لو تتضمن معنى النفي. ترى هنا بصرية لا قلبية ولها مفعول واحد وهو الذين كذبوا. و (وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ) مبتدأ وخبر والجملة حال من الذين كذبوا.