٢٣ ـ (ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللهُ عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) ذلك إشارة إلى نعيم الآخرة ، أعده سبحانه للمتقين ، وبشرهم به ليفرحوا ويعملوا له جاهدين.
(قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) قال ابن كثير من شرح وكلام طويل لهذه الآية ما نصه بالحرف الواحد : «ثبت في الصحيح أن رسول الله قال في خطبته بغدير خم : إني تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي وأنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض» وفي تفسير البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي وروح البيان لإسماعيل حقي : «لما نزلت هذه الآية قيل يا رسول الله من هم قرابتك الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال : عليّ وفاطمة والحسن والحسين» وفي الجزء الأول من كتاب فضائل الخمسة : أن الطبري والسيوطي والزمخشري فسروا القربى في هذه الآية بقرابة الرسول الأعظم (ص) ٢٤ ـ (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) قال المفترون : محمد مفتر بدعوى النبوة! فردّ سبحانه على هؤلاء بقوله : (فَإِنْ يَشَإِ اللهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ) لو حاول محمد الافتراء على الله لطمس على قلبه وسلبه الوعي والشعور ولكنه منزّه عن الكذب بعصمته بل وبطبعه (وَيَمْحُ اللهُ الْباطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَ) محمد على حق وأعداؤه على باطل ، ولذا جعل سبحانه كلمتهم هي السفلى ، وكلمة محمد هي العليا.
٢٥ ـ (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ) أي يعلم سبحانه هل صدق التائبون ما عاهدوا الله عليه من ترك المعاصي أو نقضوا العهد من بعد ميثاقه؟ وفي الحديث : المقيم على المذنب وهو يستغفر كالمستهزئ. أي يضيف إلى ذنبه ذنبا آخر أخطر وأكبر.
٢٦ ـ (وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا ...) يدعو سبحانه إلى سبيل الحق ، فيستجيب الطيبون ، وينفر المجرمون ، فيعاقب هؤلاء ، ويثيب أولئك.
٢٧ ـ (وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ) أناط سبحانه أرزاق الناس بالأعمال لينصرف الفلاح إلى حقله والعامل إلى معمله ، والتاجر إلى متجره ... ولو أنه تعالى رزقهم من غير عمل لملوا الحياة ، واشتغل بعضهم ببعض ، وتلهوا بالفسق وقضاء الشهوات ، وبأعمال لا جدوى منها ولا هدف لها (وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ) أي بقدر عمل الإنسان ، لأنه تعالى أبي أن يجري الأمور إلا على أسبابها أما الثراء الحرام بالغش والاحتكار والسلب والنهب فهو من رزق الشيطان لا من عطاء الرّحمن.
___________________________________
الإعراب : ذلك الذي مبتدأ وخبر. (يُبَشِّرُ اللهُ عِبادَهُ) صلة الموصول والعائد محذوف أي يبشر الله به عباده. (إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) استثناء منقطع أي لكن أسألكم المودة في القربى. وكذبا مفعول لافترى لأن الكذب والافتراء بمعنى واحد. (وَيَمْحُ) مستأنف وغير معطوف على جواب الشرط وهو يختم لأن محو الباطل مطلق لا يجوز تعليقه على شيء ، وحذفت الواو من يمحو للاختصار مثل قوله تعالى : (يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ) ـ ٦ القمر.