٢٩ ـ (بَلْ مَتَّعْتُ هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ حَتَّى جاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُبِينٌ) هؤلاء إشارة إلى مشركي قريش ، والمراد بالحق هنا القرآن ، وبالرسول محمد ، وهو مبين برسالته الواضحة في دلالتها على صدقه وأمانته.
٣٠ ـ (وَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُ) عاندوه وقالوا من جملة ما قالوا : (هذا سِحْرٌ) مفترى ، أما عبادة الأصنام فحق لا ريب فيه! وهكذا تعكس الحقائق منذ آدم وإلى قيام الساعة.
٣١ ـ (وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) محمد ليس بنبي في منطق الجبابرة المترفين والدليل أن محمدا لا يملك مالا ولا جاها عريضا ، والنبوة لا تكون ولن تكون إلا لعظماء المظاهر والألقاب مثل الوليد ابن المغيرة بمكة ، وعروة بن مسعود بالطائف ، فأحدهما يجب أن يكون نبيا وينزل عليه القرآن! فرد سبحانه عليهم بقوله :
٣٢ ـ (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ) أأنتم تعرفون مكان الخير والفضل والعظمة ، أو تفهمون معنى القيم التي ترفع الناس درجات ، أو ان الله فوض إليكم توزيع المناصب والمراتب؟ الله هو الذي يقسم فضله بالعدل ، ويعلم وزن العظمة ، وأين هي؟ (لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا) من التسخير في الخدمة لا من السخرية والاستهزاء ، والمعنى أن أسباب الرزق على أنوع : صناعة وتجارة وزراعة وخدمات في الدولة أو المصنع ، أو المصرف أو المتجر أو عند طبيب أو مهندس ، وفي مفهوم الناس أن رب العمل أرفع من العامل أما عند الله فالأرفع هو الأتقى كما نصت الآية ١٣ من الحجرات.
٣٣ ـ (وَلَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً) جمع سقف (مِنْ فِضَّةٍ وَمَعارِجَ) جمع معرج وهو الدرج (عَلَيْها يَظْهَرُونَ) يصعدون.
٣٤ ـ (وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْواباً) أيضا من فضة (وَسُرُراً) من فضة ، جمع سرير.
٣٥ ـ (وَزُخْرُفاً) ذهبا وزينة ، وهذا رد على من قال : إن المناصب الإلهية وغيرها من المراتب العليا ، وقف على عظماء البذخ والمظاهر ، وخلاصة الرد لمولا أن الناس يؤثرون نعيم الدنيا على كل شيء لأعطى سبحانه الكافر بيوتا من فضة بأرضها وجدرانها وسقفها وأبوابها ومصاعدها وأثاثها وزادهم على ذلك ما يشاءون من الذهب والزينة لهوان الدنيا على الله ، ولأن الكافر لا حظ له في غيرها فهي جنته الوحيدة. ومن حكم الإمام عليّ (ع) : من هوان الدنيا على الله أنه لا يعصي إلا فيها ، ولا ينال ما عنده إلا بتركها.
___________________________________
الإعراب : (هؤُلاءِ) إشارة إلى مشركي مكة. ولو لا نزل (لَوْ لا) أداة طلب مثل هلا. ولو لا أن يكون «لولا» هذه تدل على امتناع الثاني لوجود الأول.