١٣ ـ (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ) ليست هذه الآية من آيات الأحكام والتشريع ، لأنها لم تأت بجديد يمكن وضعه. ورفعه ، وإيجاده أو نفيه ، وإنما هي تحكي وتعبّر عن المساواة الطبيعية الحتمية بين الناس ، كل الناس ، على صعيد الحقوق والواجبات ، أجل إن القرآن الكريم ألبسها ثوب الدين لتكون لهذه المساواة قدسية وحصالة حتى لا يجرأ على التلاعب بها عابث ومحرف أما قوله تعالى : (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) فمعناه أن من آمن بالله وائتمر بأمره ، وانتهى بنهيه فهو أكرم وأعظم عنده تعالى ممن كفر به أو آمن ولكن تجاوز الحدود : أما الناس فلا يفضلون أحدا على غيره إلا أن يقدم عملا ينتفع به الفرد والجماعة كائنا من كان العامل المحسن ومن هنا اشتهر على ألسنتهم : الدين لله ، والوطن للجميع.
١٤ ـ (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا) جاء في الحديث : «الإيمان معرفة بالقلب ، وإقرار باللسان ، وعمل بالأركان» أما شرط العمل فلأن الإيمان عمل كله ولا إيمان بلا عمل ، وأما الإقرار باللسان فلكي يجري عليه حكم الإسلام ، ولوجوب الذكر في الصلاة ، أما الإسلام فهو دخول في سلم المسلمين وخروج من حربهم بإظهار الشهادتين : «لا إله إلا الله محمد رسول الله» بصرف النظر عما في القلب ، ومعنى هذا أن كل مؤمن مسلم ، وليس كل مسلم مؤمنا ، قال الإمام عليّ (ع) : المؤمن إذا نظر اعتبر وإذا سكت تفكّر ، وإذا تكلم ذكر ، وإذا استغنى شكر ، وإذا افتقر صبر (وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا) لسبب أو لآخر (وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ) ومن هؤلاء الذين يتخذون من الدين حرفة يعيشون بها ومنها. (لا يَلِتْكُمْ) لا ينقصكم من ثواب أعمالكم شيئا.
١٥ ـ (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ) ويستجيبون لما يدعون إليه بلا شك وتردد ، وبلا تطبيل وتزمير وهتاف وتصفيق.
١٦ ـ (قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللهَ بِدِينِكُمْ) وهذا التوبيخ يعم ويشمل الذين يهللون ويسبحون في مكبرات الصوت ، كأن الله أصم! تعالى عن ذلك علوا كبيرا.
١٧ ـ (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا) يستحيل أن يمنوا لو ذاقوا حلاوة الإسلام والإيمان ، إن المؤمن حقا يتجاهل ويتنكر لو نسبت إليه كرامة ، وسلام على من قال : أللهم لا تؤاخذني بما يقولون ، واغفر لي ما لا يعلمون (قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ) من عمل صالحا فلنفسه (بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ) بالإرشاد إليه ، والترغيب فيه لا لشيء إلا لخيركم وصالحكم ، هذا إن كنتم حقا من المؤمنين وإلا فلعنة الله على الكاذبين.