تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ) إن أبت إحدى الفئتين المتقاتلتين الرضوخ للحق بالحسنى ، وأصرت على العدوان فعلى المؤمنين الآخرين أن يحموا الفئة المظلومة من الظالمة ، فإن لم ترتدع إلا بالقوة قاتلوها في حدود الدفاع المشروع.
١٠ ـ (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) من حيث انتسابهم إلى عقيدة واحدة تثير اهتمام الجماعة بالفرد والفرد بالجماعة (فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) لأن الأخوة الإنسانية والدينية تفرض هذا الصلح وتحتمه (وَاتَّقُوا اللهَ) في التهاون بالصلح والانحياز لفئة بغير حق (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) بمنع الشر والفساد من أن يعم ويشمل.
١١ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ ...) لا يسخر بعض الرجال من بعض ولا بعض النساء من بعض ، فربما كان المسخور منه أتقى عند الله وأبر من الساخر ، هذا إلى أن من سخر من الأبرياء فهو ظالم وسفيه ، وقد هدده الله بأشد العقوبات ، من ذلك : (فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) ـ ٧٩ التوبة» (وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ) اللمز : العيب ، والمعنى لا يطعن بعضكم بعضا ، ويذكره بمكروه (وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ) التنابز : التعاير ، أي لا يخاطب أحدكم أخاه بلقب يكرهه ، ولا بأس بلقب أعرج وأحدب وما أشبه لمن اشتهر بذلك مع عدم قصد النقص والاستخفاف (بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ) من عاب آخر بما يكره يصير فاسقا بعد أن كان مؤمنا.
١٢ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) من أحسن الظن بإنسان فلا بأس عليه وإن أخطأ ، قال الرسول الأعظم (ص) : ظنوا بالمؤمنين خيرا ومن أساء به الظن أيضا لا بأس عليه وإن كان مخطئا في ظنه حيث لا حرية للإنسان في ظنونه وتصوراته ، أجل عليه أن لا يعول على سوء الظن ولا يرتب عليه أي أثر في قول أو فعل وإلا استحق الذم والعقاب ، وفي الحديث : «إذا ظننت فلا تحقق» ولم يقل : لا تظن لأنه تكليف بما لا يطاق تماما كما لو قال : لا تتصور (وَلا تَجَسَّسُوا) التجسس : تتبع العورات والعثرات والبحث عنها في الخفاء ـ غالبا ـ وهو محرّم كتابا وسنة وعقلا وإجماعا ، قال رسول الله (ص) : «من اطلع عليك فحذفته بحصاة ففقأت عينيه فلا جناح عليك (وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ) إذا ذكرت شخصا معينا بما يكره وكان فيه ما تقول ، فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول ، فقد بهته. والبهتان أعظم جرما من الغيبة ، وقد شبّه سبحانه من استغيب بالميت لأنه غائب ، وشبّه عرضه بلحمه ، وقول السوء فيه بالأكل والنهش ، أما معنى فكرهتموه فهو إذا أنفقتم من أكل لحم الميت فينبغي أن تأنفوا أيضا من غيبة الغائب ، لأنهما من باب واحد.
___________________________________
الإعراب : (طائِفَتانِ) فاعل لفعل مقدر أي وان اقتتل طائفتان. وجمع سبحانه (اقْتَتَلُوا) بالنظر إلى المعنى لأن الطائفة جماعة من الناس ، وثنّى (بَيْنَهُما) بالنظر الى لفظ طائفتين. (عَسى) هنا تامة والمصدر من ان يكونوا فاعل. و (هُمُ) ضمير فصل.