لبني هاشم وغيرهم (كَيْ لا يَكُونَ) مال الفيء (دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ) أي متداولا فيما بينهم ولا يصل منه شيء إلى الفقراء كما كانت الحال في الجاهلية حيث كان الأمراء والأغنياء يتصرفون في الفيء بمحض الشهوات والأهواء. (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) يقول سبحانه : اعملوا بالقرآن ، فإن لم تجدوا فيه النص على ما تريدون فارجعوا إلى السنة النبوية ، والشرائع الوضعية على هذا المبدأ ، قال السنهوري في شرح القانون المدني : «نصت المادة الأولى على أنه إذا لم يوجد نص شرعي حكم القاضي بمقتضى العرف ، فإذا لم يوجد فبمقتضى المبادئ الإسلامية ، فإذا لم توجد فبمقتضى مبدأ القانون الطبيعي وقواعد العدالة».
٨ ـ (لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ) من مكة إلى المدينة نصيب من فيء أهل القرى أيضا لأنهم (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ) لا لشيء إلا لوقوفهم مع الحق وإعلان كلمة الإسلام وتضحيتهم في سبيله (يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) إيمانا وقولا وعملا ، وبهؤلاء المهاجرين وأمثالهم من الأنصار استقام الإسلام ، وانتشر في شرق الأرض وغربها ، ولا بدع فإن قائدهم محمد ، ولن تكون الأمة فاسدة وقائدها صالحا ، كما لا تكون صالحة وقائدها فاسدا ، وإذا وجدت فئة فاسدة في عهد الحاكم الصالح فاعلم أن الكلمة لأهل الصلاح ، والعكس بالعكس ، هذا إذا كان الحكم للحرية والإختيار لا للحديد والنار.
٩ ـ (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ) المراد بالذين الأنصار ، وتبوؤا : سكنوا ، والدار : دار الهجرة وهي المدينة ، والإيمان مفعول لفعل محذوف أي وأخلصوا الإيمان ، ومن قبلهم أي من قبل أن يهاجر اليهم المهاجرون. وقد أثنى سبحانه على الأنصار بأنهم (يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا) قدم المهاجرون من مكة إلى المدينة ، فأحسن الأنصار استقبالهم في الحب والبذل والمساواة ، وكان النبي (ص) يخص المهاجرين بالغنيمة كلّا أو بعضا ، لأنهم غرباء في المدينة ، ولا يملكون شيئا على الإطلاق ، وكان الأنصار يرضون عن ذلك ، ولا يجدون في أنفسهم أي شيء بل ويرونه حقا وعدلا (وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ) فاقة ، والمعنى يفضلون غيرهم على أنفسهم في الشيء الذي يحتاجون إليه أشد الحاجة وبتعبير الآية ٨ من الإنسان (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) الشح لغة : أشد البخل ، والمراد به هنا البخل بالخير والمعروف ، لأن كلمة الشح في الآية جاءت بعد الإشارة إلى الذين يؤثرون على أنفسهم ، وفي الحديث : لا يجتمع الشح والإيمان في قلب عبد أبدا.
١٠ ـ (وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا ...) جاء في التفاسير أن المراد بالذين جاءوا من بعد الصحابة ، التابعون لهم بإحسان أخذا بقرينة السياق ، ومع هذا فإن الثناء يعم ويشمل كل من سار بسيرة الصحابة إلى يوم القيامة.
١١ ـ (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ