لأعدائهم (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللهِ) وأيضا ما دار في خلد بني النضير أن يقهروا لكثرة عدتهم ومنعة حصونهم (فَأَتاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا) وكثيرا ما يؤخذ المتحصّن من حصنه والآمن من مأمنه (وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ) من هيبة رسول الله وعظمته ، فاستسلموا لأمره رهبة وجزعا من غير قتال (يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ) هدم يهود بني النضير ما بنوا قبل الجلاء والرحيل ظنا به على المسلمين ، أما نسبة الهدم إلى المؤمنين فلأنهم السبب الموجب له وللجلاء (فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ) بهذا المصير فإن دائرة السوء لا بد «ان تدور على رأس من لجّ في الغي وتمادى في البغي.
٣ ـ (وَلَوْ لا أَنْ كَتَبَ اللهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ) على يهود بني النضير النفي من ديارهم (لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا) بالقتل الاستئصال كما فعل بيهود بني قريظة ، أما عذابهم في الآخرة فهو أشد وطأة وتنكيلا.
٤ ـ (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ) ما عذب سبحانه اليهود في الدنيا ، ويعذبهم في الآخرة إلا لأنهم يعاندون كل حق ، ويرفضون كل خير إلا أن يكون لهم وحدهم غير شريك.
٥ ـ (ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللهِ) اللينة : النخلة ، قطع المسلمون بعضا من نخيل بني النضير للتضييق عليهم ، فقالوا للنبي (ص) : انك تنهى عن الفساد ، فنزلت هذه الآية ، ومعناها أن ما قطع من النخيل نكاية بالناكثين وما ترك منها من غير قطع فهو بأمره تعالى ليغيظ به من عاند وتمرد.
٦ ـ (وَما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ) أي من الكفار المحاربين للإسلام والمسلمين ، و «ما» في قوله تعالى : (وَما أَفاءَ اللهُ) ـ اسم موصول (فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ) «ما» في قوله : فما أوجفتم عليه ـ نافية ، ومعنى أوجفتم عليه عملتم عليه ، والمراد بالركاب الإبل ، وقد بيّن سبحانه وحدد في كلامه هذا معنى الفيء في دينه وشريعته بأنه المال الذي يؤخذ بلا قتال وجهاد ، من الكفار المحاربين للإسلام والمسلمين ، وأموال بني النضير هي من الفيء ، ولكن لها حكم خاص وهو أن تكون خالصة لرسول الله (ص) وحده ولا تقسم على الجيش كالغنائم التي تؤخذ بقتال وجهاد ، أما الفيء من غير أموال بني النضير فله حكم آخر ، ويتضح بقوله تعالى :
٧ ـ (ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) المراد بأهل القرى هنا غير بني النضير ، والمعنى أن الذين كفروا ـ من غير بني النضير ـ إذا أعلنوا الحرب على الإسلام والمسلمين ، ثم استسلموا من غير قتال ـ فلا تقسم أموالهم على الجيش قسمة الغنيمة بل هي فيء ، وتكون خالصة لله ورسوله وقرباه من مؤمني بني هاشم ، أما اليتامى والمساكين وابن السبيل وهو المنقطع عن وطنه ـ فقال الإمامية : المراد بهم من كان من بني هاشم دون غيرهم ، وعند المذاهب الأربعة العموم والشمول