أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ) لو ظفر أعداء الحق بأنصاره لمزقوم بالسنان واللسان ، والتاريخ متخم بالشواهد على ذلك ، وأنصار الحق على العكس ، والسر سمو المبدأ ونزاهة القصد عند هؤلاء دون أولئك ، فإذا عاد الحق إلى نصابه ، وانزاح الباطل عن مقامه فلا شيء وراءه ومن الأمثلة على ذلك ما فعله النبي بأعدى أعدائه حين عاد إلى مكة فاتحا.
٣ ـ (لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) ولا مصانعكم ومصارفكم وأسلحتكم الجهنمية ... أبدا لا شيء بنافع إلا العمل الصالح.
٤ ـ (قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ) يقول سبحانه لرجال الصحابة تآسوا بمن آمن مع خليل الرّحمن (ع) فقد لاقوا من الجهد والمشقة ما لاقيتم حتى الهجرة من الأوطان ، فصبروا صبر الأحرار ، وهو سبحانه يوفي الصابرين أجورهم بغير حساب (إِذْ قالُوا) إبراهيم والضعفاء الذين معه (لِقَوْمِهِمْ) الأقوياء عدة وعددا : (إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ) أنتم عل ضلال ، ونحن المحقون. وهكذا إذا كانت القلة القليلة تجابه أمة بكاملها شعبا وحكومة ، ولا تملك من شيء إلا كلمة الحق (وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ) ومعنى هذا بصراحة أن دين المرء لن يستقيم حتى يكره في الله ، ويحب في الله. وفي الحديث : المؤمن لا يخون أخاه المؤمن ولا يخدعه ولا يظلمه ولا يغتابه. فهل يتعظ بهذا من يدعي الإيمان وهو يظلم أخاه المؤمن بالحقد والحسد؟ (إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ ...) كأن سائلا يسأل : كيف تبرأ إبراهيم (ع) من المشركين علما بأنه قد قال لأبيه آزر : سأستغفر لك ربي كما في الآية ٤٧ من مريم؟ فأجاب سبحانه بأن آزر كان قد وعد إبراهيم بأن يؤمن كما في الآية ١١٤ من التوبة (فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ).
٥ ـ (رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا) لا تسلط علينا شرار خلقك ، فيبتلونا بمحن لا نقوى على حملها.
٦ ـ (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ) الخطاب للصحابة ، وضمير الغائب لإبراهيم ومن معه ، عاد سبحانه يؤكد الأخذ بما كان عليه إبراهيم الخليل ومن معه من الإخلاص في الإيمان والصبر في الجهاد (وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُ) عن
___________________________________
الإعراب : (فِي إِبْراهِيمَ) متعلق بحسنة ، وقيل بمقدر صفة ثانية لأسوة. و (الَّذِينَ مَعَهُ) عطف على (إِبْراهِيمَ). (وَإِذْ قالُوا) «إذ» ظرف والعامل فيه خبر كان المقدر. و (بُرَآؤُا) خبر انّ و «نا» اسمها. و (أَبَداً) ظرف زمان لاستغراق المستقبل. (وَحْدَهُ) حال من الله. وربنا منادي بحذف النداء. ولمن كان يرجو بدل بعض من «لكم» بإعادة حرف الجر.