اللهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا) كان أغنياء الصحابة ينفقون على فقرائهم ، فطلب منهم المنافقون أن يمسكوا أيديهم عسى أن ينصرف المعوزون عن رسول الله ، ويضعف شأن الإسلام ، فرد سبحانه على المنافقين بقوله : (وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) خلق سبحانه للرزق العديد من الأبواب ، فإذا أغلق باب منها على عبد فتح له أبوابا من خزائن ملكه ورحمته.
٨ ـ (يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَ) هذه الكلمة الكافرة الفاجرة نطق بها رأس النفاق عبد الله بن أبي حين كان المسلمون في غزوة بني المصطلق ، وكان هذا المنافق قد خرج معهم طمعا في الغنيمة ، وهو يريد بالأعز نفسه ، وبالأذل النبي (ص) وأنه متى عاد إلى المدينة أخرج منها رسول الله بالقوة ، وكان لعبد الله بن أبيّ ولد صادق الإيمان ، أيضا اسمه عبد الله ، فشهر السيف على أبيه وقال :
والله لن أدعك أبدا حتى تقول : رسول الله هو الأعز وأنا الأذل ، ولما علم رسول الله بذلك قال له : دع أباك ، فقد عفوت عنه ، فتركه.
(وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) هذا ردّ على المنافق اللعين الذي نعت نفسه بالأعز والرسول الأعظم بالأذل ، والمعنى العزة ذاتا وأولا هي لله سبحانه لكماله المطلق الذي لا يوازيه غيره فيه ، وهي ثانيا للرسول وللمؤمنين المخلصين ، لأن العزة بمعناها الشامل تعم عزة النفس بتنزيهها عن الدنايا والأهواء والغرور والكبرياء ، وفي المقصد الأسنى للغزالي ص ٣١ منشورات مكتبة الجندي ما معناه أن المؤمن العالم بالله يكبر ويعظّم فيه من صفات الجلال والكمال ، ويتشوق إلى الاتصاف بشيء منها على قدره وبحسبه جهد المستطيع ، ليكون عند الله سبحانه بمنزلة الملائكة المقربين.
٩ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ) وجهاد أهل البغي أفضل الذكر على الإطلاق ، لأنه قوة للحق وعزة لدين الله.
١٠ ـ (وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ) من تهاون وأهمل إخراج ما في أمواله من زكوات وأخماس ، وظهرت عليه دلائل الموت وأماراته ـ فليبادر إلى أدائها والوفاء بها قبل أن تخرج الروح من جسده وإلا انتهبها الوراث ، فيكون المهنأ لغيره والعبء على ظهره.
١١ ـ (وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللهُ نَفْساً ...) العمر لا يعود ، والأجل لا يمهل ، ولا مفر مما هو آت.
___________________________________
الإعراب : (الْأَعَزُّ) فاعل (لَيُخْرِجَنَ) ، والأذل مفعول ، ونون يخرجن للتوكيد. و (رَبِ) أي يا ربي. ولو لا هلا. وأصل فأصدّق فأتصدق ومحلها النصب بأن مضمرة بعد الفاء في جواب لو لا. وأكن أي ان أخرتني أكن.