١٨٥ ـ (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) نبيا كان أم شقيا صاحبها (وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) لا في الحياة الدنيا ، لأن اليوم عمل ولا حساب ، وغدا حساب ولا عمل (فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ) بل من فاز بالنجاة من النار وكفى فهو من الفائزين على منطق من حدد اللذة بدرء الألم والسعادة بعدم الشقاء.
١٨٦ ـ (لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ) هذا الخطاب لكل محق ومن ينشد الحق ويناصره ، وأن عليه أن يدفع ثمن الحق من نفسه وماله وعرضه حيث لا هوادة بين أهل الحق وأهل الباطل ، ومن الذي يعلم منك بأنك تعلم بما هو عليه من الجهل أو الكذب أو الرياء وما إلى ذلك من الرذائل ثم لا يشن عليك حربا شعواء لا لشيء إلا لأنك تعرف من هو وكفى.
(وَلَتَسْمَعُنَ) أيها المسلمون المحقون في دينكم (مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) المبطلين في دينهم (مِنْ قَبْلِكُمْ) إشارة إلى أن التوراة والإنجيل أسبق نزولا من القرآن (وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً) وذنبكم الوحيد هو ذنب المحق عند المبطل والأمين عند الخائن (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) اصبروا على مرارة الحق وثقله ، فإن ذلك من دلائل الشجاعة والبطولة.
١٨٧ ـ (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ) هذه الهاء تعود إلى الكتاب ، والمراد به كل كتاب منزل من عند الله ، بل لا يبعد أن يكون كناية عن الحق والمعنى : على كل من علم الحق أن يعلنه على الناس وإلا فهو شيطان أخرس كما قال الرسول الأعظم (ص).
(فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ) واو الجماعة في «نبذوه» لعلماء السوء والهاء لميثاق الله وعهده أن يعلنوا الحق ولا يكتمونه (وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً) كتموا الحق بعد أن باعوا دينهم للشيطان ، وقبضوا أبخس الأثمان.
١٨٨ ـ ١٨٩ ـ (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ) المفازة اسم لمكان الفوز والنجاة ، وقوله تعالى (فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ) بعد قوله «لا تحسبن» لمجرد التوكيد وعدم الالتباس مع طول الكلام ، والمعنى الظاهر من هذه الآية يعم ويشمل كل مراء ومنافق وكل من يدعي ما ليس فيه ، وطلب أمرا ما هو من أهله ومعدنه.
____________________________________
الإعراب : (لَتُبْلَوُنَ) و (لَتَسْمَعُنَ) اللام للقسم ، والنون موكدة. و (أَذىً) مفعول لتسمعن. (إِذْ) ظرف متعلق بمحذوف ، أي أذكر إذ أخذ الله. واللام في لتبيننه للقسم ، لأن أخذ الميثاق قائم مقام القسم. والهاء تعود إلى الكتاب. وكذلك هاء لا تكتمونه. و (لا) في (لا تَكْتُمُونَهُ) للنفي وليست للنهي.