التنبيه الأول
هل القاعدة موهونة بكثرة التخصيصات الواردة عليها؟
من الإشكالات القوية التي أوردت على هذه القاعدة ، انه كيف يمكن الحكم بعمومها وارتفاع كل أمر حرجي في الشريعة بها ، مع ما يتراءى من كثرة التكاليف الشاقة الحرجية في أبواب العبادات وغيرها ، كالوضوء بالمياه الباردة في ليالي الشتاء والصوم في الأيام الحارة من الصيف مع ما فيهما من المشقة الظاهرة ، وكالجهاد بالأموال والأنفس ؛ ومقارعة السيف والسنان ، ومقابلة الشجعان ، وعدم الفرار من الزحف وتحمل لومة اللائمين في إجراء أحكام الله ، وتسليم النفس لإجراء الحدود والقصاص ، والهجرة عن الأوطان لتحصيل مسائل الدين ؛ وبثها بين المسلمين الواجب كفاية ، وأشد منها الجهاد الأكبر مع النفس وجنود الشياطين.
فهذه التخصيصات الكثيرة توهنها وتمنع عن التمسك بعمومها ، لان قبح تخصيص الأكثر دليل على ان المراد منها غير ما يفهم منها في بدء الأمر فيكون معناها مجملة مبهمة غير قابلة للاستدلال ، فان ما يظهر منها بادئ الأمر غير مراد والمراد منها غير معلوم ؛ فعمومها كعمومات «القرعة» وما أشبهها موهونة لا يجوز العمل بها إلا في موارد عمل بها الأصحاب
وكأنه الى هذا المعنى أشار المحدث الجليل الحر العاملي قدسسره في كتابه المسمى ب «الفصول المهمة» حيث قال بعد نقل طائفة من الاخبار النافية للحرج : «نفى الحرج مجمل لا يمكن الجزم به فيما عدا تكليف ما لا يطاق وإلا لزم رفع جميع التكاليف» انتهى.
فالتزم بعد القول باجمالها وإبهامها بسقوطها عن الحجية إلا في القدر المتيقن منها وهو التكليف بما لا يطاق.
أقول ـ قوله : «وإلا لزم رفع جميع التكاليف» ان كان مراده منه المبالغة في كثرة التخصيصات الواردة عليها بما عرفت آنفا ؛ وأشرنا إليه أيضا عند ذكر معنى