التنبيه التاسع
هل القاعدة تجري في أفعال المكلف نفسه؟
ظاهر كثير من عناوين كلمات القوم اختصاص قاعدة الصحة بأفعال الغير ، بل ظاهر بعضها اختصاصها بأفعال المسلمين فحسب. لكن قد عرفت في صدر البحث انه لا فرق في هذا بين المسلم وغيره أصلا ، بعد ما كان مدركه بناء العقلاء عليه وسيرتهم المستمرة في أمورهم ، لا يفرقون في ذلك بين اتباع المذاهب المختلفة والمليين وغيرهم وقد أمضاها ـ على هذا الوجه الشارع المقدس ولم يردع عنها ، ولا يزال المسلمون يعملون مع المعاملات الصادرة عن أهل الذمة معاملة الصحيح ، مع ما فيها من احتمال الفساد ولو على مذهبهم ، وليس هذا الا لعمومية القاعدة وعدم اختصاصها بالمسلمين.
نعم في الموارد التي لا يتمشى الفعل الصحيح من غير المسلم أو يعلم علما تفصيليا باختلاف عقيدتهم مع ما عليه المسلمون من الاحكام ولا يكون بينهما جامع ، لا يمكن حمل فعلهم على الصحيح ، ولكنك عرفت في التنبيه الأول جريان هذا المعنى في حق المسلمين أيضا إذا اختلفوا في الآراء الفقهية ولم يجمعهم جامع ، على ما فصلناه هناك فراجع ، فليس هذا أيضا مقصورا على غير المسلمين.
واما تخصيص القاعدة بأفعال الغير فهو وان كان ظاهر عناوينهم وكلماتهم في مقامات مختلفة ؛ بل وظاهر غير واحد من أدلتهم (كالآيات والاخبار التي استدلوا بها هنا) بل وقع التصريح به في كلمات بعضهم كالمحقق النائيني «قده» حيث انه صرح في صدر كلامه في المسألة بأنه : «لا ريب في اختصاصها بفعل الغير واما بالنسبة إلى فعل نفس الشخص فالمتبع فيه هو «قاعدة الفراغ» فليس هناك أصل آخر يسمى بأصالة الصحة غير تلك القاعدة» انتهى.
والحق انه لو قلنا بعموم «قاعدة الفراغ» وشمولها لجميع الافعال من العبادات