الكثيرة الموجودة في نفس روايات الباب تشرف الفقيه على القطع بعدم شمولها لها ، وفتاوى الأصحاب أيضا شاهدة له ، ولو تنزلنا منه وحكمنا باجمالها فاللازم أيضا الأخذ بالمتيقن منها فتبقى إطلاقات أدلة هذه التكاليف سليمة عن المعارض أو الحاكم.
هذا ولكن الذي يسهل الخطب إمكان الاستناد إلى قاعدة «نفى الحرج» في جل هذه الموارد فيستغنى بها عن غيرها ولكن مع ذلك تظهر الثمرة في موارد نادرة يصدق عليها عنوان الضرر دون الحرج فراجع وتأمل.
***
وهنا احتمال آخر في معنى الحديث يحكى عن بعض «أعاظم العصر» وهو ان مفاد هذه القاعدة حكم سلطاني بمنع إضرار الناس بعضهم ببعض ، فإن للنبي صلىاللهعليهوآله مقامات ثلثة : مقام النبوة وتبليغ الرسالة وهو من هذه الجهة مبلغ عن الله وحاك لاحكامه الظاهرية والواقعية ، كالمجتهد بالنسبة إلى الأحكام الشرعية المستفادة من الكتاب والسنة ، و «مقام القضاء» وذاك عند تنازع الناس في حقوقهم وأموالهم فللنبى القضاء وفصل الخصومة بينهم ، و «مقام السلطنة» والرئاسة من قبل الله ، نافذ امره ونهيه فيما يراه مصلحة للأمة كنصب أمراء الجيوش والقضاة وأشباهها.
وظاهر ان حكمه صلىاللهعليهوآله في قضية سمرة بنفي الضرر والضرار ليس من الأول ولا الثاني ، لأنه لم يكن للأنصاري ـ ولا لسمرة ـ شك في حكم تكليفي أو وضعي في قضيتهما ، أو تنازع في حق اختلفا فيه من جهة اشتباههما في المصاديق أو الحكم ، وانما وقع ما وقع من الأنصاري في مقام الشكوى والتظلم والاستنصار منه صلىاللهعليهوآله بما انه سلطان على المسلمين وسائسهم مع وضوح الحكم والموضوع كليهما ، فأمره صلىاللهعليهوآله بقلع النخلة حسما لمادة الفساد ثمَّ عقبه بقوله لا ضرر ولا ضرار ، فهذا حكم سلطاني عام بعد حكمه الخاص ؛ ومعناه انه لا يضر أحد أحدا في حمى سلطاني وحوزة رعيتي وعلى جميع الأمة إطاعته في ذلك والانتهاء بنهية ، لا بما انه حكم من احكام الله بل بما انه حكم من قبل سلطان مفترض الطاعة ويشهد لهذا المعنى تصدير هذه الفقرة في رواية «عبادة بن صامت» المروية من طرق العامة بقوله : وقضى. الظاهر في هذا النوع من الحكم. هذا ملخص ما يحكى