٣ ـ في انها من الامارات أو من الأصول العملية؟
قد وقع الخلاف في ان قاعدة التجاوز والفراغ ـ سواء قلنا باتحادهما كما هو التحقيق أو تعددهما كما عليه شرذمة من المتأخرين والمعاصرين ـ هل هي من الأصول العملية أو مندرجة في سلك الامارات؟.
وأنت إذا أحطت خبرا بما أسلفناه في بيان مدرك القاعدة لا تشك في اندراجها في سلك الأمارات الظنية ، لما عرفت من ان الحق ثبوتها عند العقلاء وأهل العرف قبل ثبوتها في الشرع ، وان ملاكها عندهم هو غلبة الذكر على الفاعل حين العمل (بما عرفت توضيحه).
فهي مبتنية عندهم على «أصالة عدم الغفلة حين العمل» منضمة الى عدم احتمال ارتكاب الفاعل العالم بالاجزاء وشرائط العمل ما هو خلاف مراده ومرامه.
وقد عرفت أيضا ان الشارع المقدس أمضاها بهذا الملاك عينا ، والشاهد له روايتا «بكير بن أعين» و «محمد بن مسلم» (١) ففي الأولى علل الحكم بقوله : هو حين يتوضأ اذكر منه حين يشك ، وفي الثانية بقوله ، وكان حين انصرف أقرب الى الحق منه بعد ذلك ، (والانصراف في الصلاة آخر أزمنة الاشتغال بالفعل).
فمع ذلك لا يبقى مجال للتشكيك في حجية القاعدة على نحو سائر الأمارات المعتبرة عقلا وشرعا.
هذا ومن أوضح القرائن عليه انه ورد في غير مورد من الروايات الخاصة إشارات لطيفة الى هذا المعنى لا يبقى معها شك في المسئلة ، وإليك بيانها :
__________________
(١) ذكرناهما تحت الرقم ٥ و ٦ سابقا عند ذكر روايات القاعدة.