ثمَّ أطلق على المقارعة ولو بغير السهم «المساهمة».
وأدحضه أي أسقطه وازاله ، فقوله (فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ) اما بمعنى من «المقروعين» بسبب وقوع السهم عليه أو بمعنى «الملقين في البحر» ، وقال بكل قائل ولكن الظاهر هو الأول.
فمن هنا يستفاد من الآية ان يونس لما هرب من قومه وركب الفلك المشحون ، اى المملوئة من الناس والأثقال ، قارع فوقعت القرعة عليه ؛ وهذا المعنى على إجماله المستفاد من الآية يدل على مشروعية القرعة في الأمم السالفة إجمالا ، ويمكن استفادة مشروعيتها في شرعنا أيضا بالبيان الذي ذكرناه آنفا.
وتفصيل الحال في مورد الآية على ما يستفاد من بعض الاخبار والتواريخ وكلمات المفسرين ان يونس عليهالسلام لما غضب على قومه دعا عليهم بالعذاب فاستجيب له ، فوعده الله ان يعذبهم وعين له وقتا ففر يونس منهم مخافة ان يأخذه العذاب بغتة ، وظن ان الله لا يقدر عليه ـ اى لا يضيق عليه حاله ـ ولكن الله أراد التضييق عليه لتركه ما كان أولى في حقه وهو عدم الدعاء عليهم ، والصبر أكثر مما صبر.
وفي بعض الروايات عن الصادق عليهالسلام انه كان في قومه رجلان : عالم وعابد فكان العابد يشير على يونس بالدعاء عليهم ، وكان العالم ينهاه ويقول لا تدع عليهم ، فان الله يستجيب لك ولا يحب هلاك عباده فقبل قول العابد ولم يقبل من العالم» (١) فلعل التضييق عليه كان من هذه الناحية.
ثمَّ انه لما اتى ساحل البحر فإذا بسفينة شحمت ، وأرادوا أن يدفعوها ؛ فسألهم يونس ان يحملوه فحملوه ، فلما توسط البحر بعث الله حوتا عظيما فحبس عليهم السفينة من قدامها ، وقيل ان السفينة احتبست بنفسها ، فقال الملاحون «ان هاهنا عبدا آبقا وان من عادة السفينة إذا كان فيها آبق لا تجرى» وقيل انهم أشرفوا على الغرق فرأوا انهم ان طرحوا واحدا منهم
__________________
(١) روى العلامة المجلسي في البحار في المجلد ٥ ص ٣٦٠.