الأخبار الصّحاح منضمّا إليها إجماع الصحابة ، لمكان سنده ، فإن فيه لأهل النقل مقالا ، ولا يجوز حمل أمثاله على ما يخالف الإجماع ، لا سيّما والصحابي الذي يرويه ممّن دخل في هذا الإجماع ، واستقام عليه مدّة عمره ، ولم ينقل عنه خلافه ، فلو ثبت عنه هذا الحديث فالسّبيل أن يأوّل على وجه لا ينقض عليه ما اعتقده ولا يخالف ما هو أصحّ منه متنا وإسنادا ، وهو أن يقال :
يحمل قوله « بأحبّ خلقك » على أنّ المراد منه : ائتني بمن هو من أحبّ خلقك إليك ، فيشاركه فيه غيره ، وهم المفضلّون بإجماع الامّة ، وهذا مثل قولهم : فلان أعقل الناس وأفضلهم. أي : من أعقلهم وأفضلهم. وممّا يبيّن لك أن حمله على العموم غير جائز هو أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم من جملة خلق الله ، ولا جائز أن يكون علي أحبّ إلى الله منه. فإن قيل : ذاك شيء عرف بأصل الشرع. قلت : والذي نحن فيه عرف أيضا بالنصوص الصحيحة وإجماع الامة. فيأوّل هذا الحديث على الوجه الذي ذكرناه.
أو على أنّه أراد به : أحبّ خلقه إليه من بني عمّه وذويه ، وقد كان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يطلق القول وهو يريد تقييده ، ويعمّ به وهو يريد تخصيصه ، فيعرفه ذو الفهم بالنظر إلى الحال أو الوقت أو الأمر الذي هو فيه » (١).
أقول :
تفيد عبارة التوربشتي بوضوح دلالة حديث الطير على أفضلية أمير المؤمنين عليهالسلام وبطلان تقدّم المتغلّبين عليه ، إنّه يصرّح بصلاحيّة هذا الحديث لأن يتخذ ذريعة إلى الطعن في خلافة أبي بكر ... لكن لمّا كانت
__________________
(١) شرح المصابيح ـ مخطوط.