وأمّا دعوى أن « الصّحابي الذي يرويه ممّن دخل في هذا الإجماع واستقام عليه مدّة عمره ولم ينقل عنه خلافه » فمردودة ، لأنّ رواية هذا الحديث غير منحصرة في أنس بن مالك كي يكون لهذه الدعوى حظّ من الواقعية ، بل لقد ثبت أن غير أنس من الصّحابة كسيدّنا أمير المؤمنين عليهالسلام ، وابن عباس ، وأبي الطّفيل ، وغيرهم ، يروون حديث الطّير. ومن المعلوم أنّ دخول أمير المؤمنين عليهالسلام وابن عبّاس في الإجماع المزعوم في حيّز المنع والامتناع ، وعدم نقل الخلاف عنهما باطل محض ، بل الدلائل على إبطال أمير المؤمنين عليهالسلام ـ وكذا ابن عبّاس وسائر بني هاشم بل غيرهم ـ خلافة أبي بكر لا تحصى ... وفي كتاب ( المعارف ) إن أبا الطفيل كان من غلاة الرّوافض (١) فكيف يقال بأنه ممّن دخل في الإجماع المدّعى واستقام عليه مدّة عمره ولم ينقل عنه خلافه؟
على أنّ سيّدنا أمير المؤمنين عليهالسلام استدلّ ـ فيما استدل في الشورى ـ بحديث الطّير على أحقيّته بالخلافة ، وقد سلّم القوم جميعا كلامه ... وقد جاء في حديث احتجاجه على القوم بفضائله قوله لهم :
« بايع الناس أبا بكر وأنا والله أولى بالأمر منه وأحق ، فسمعت وأطعت مخافة أن يرجع الناس كفّارا يضرب بعضهم رقاب بعض بالسيف ، ثمّ بايع أبو بكر لعمر وأنا والله أولى منه بالأمر منه ، فسمعت وأطعت مخافة أن يرجع الناس كفّارا ، ثمّ أنتم تريدون أن تبايعوا عثمان! إذا لا أسمع ولا أطيع ، إنّ عمر جعلني في خمسة نفر أنا سادسهم ، لا يعرف لي فضل في الصلاح ولا يعرفونه لي كما نحن فيه شرع سواء ، وأيم الله لو أشاء أن أتكلّم ثم لا يستطيع عربيّهم
__________________
(١) كتاب المعارف : ٦٢٤.