فلو لا دلالة هذا الحديث على الأفضلية عند ابن تيمية لما كان بحاجة إلى المعارضة والاستدلال بما ذكر ... ولو كانت الأحبيّة فيه نسبية ـ كما ذكر ( الدهلوي ) أو يمكن تأويلها بوجه من الوجوه ـ لم يكن تناقض بين حديث الطير وما ذكر من أحاديث القوم!!
ومن هنا يظهر اضطراب القوم في مقام الجواب عن هذا الحديث الشريف ، فالمتقدّمون كالرّازي وابن تيميّة لم يذكروا شيئا من التأويلات إمّا عن عجز وقصور ، وإمّا للالتفات إلى ركاكتها وسخافتها ، فعمدوا إلى خرافات شيوخهم في باب فضائل الشيخين ، فزعموا مناقضتها لحديث الطّير ، أو ادّعوا وضع هذا الحديث الشّريف ، مكذّبين كبار أساطين طائفتهم الذين رووه ، وأثبتوه في كتبهم في جملة فضائل مولانا أمير المؤمنين عليهالسلام. والمتأخّرون سلكوا سبيل التأويل وإنكار دلالة الحديث على الأحبيّة والأفضليّة المطلقة ، مخطّئين أولئك الذين أذعنوا بالدلالة وادّعوا المعارضة أو الوضع ... بل لقد وقع الواحد منهم في التهافت والتناقض ... فالرازي يعترف في ( نهاية العقول ) بدلالة حديث الطير على الأفضلية بصراحة ثمّ يدّعي المعارضة ، ويناقض نفسه في ( الأربعين ) ـ كما ستسمع فيما بعد ـ ويمنع الدّلالة ...
لكن الجمع بين المتناقضات ممتنع ، وهم بين أمرين ، إمّا رفع اليد عن الحكم بالوضع بدعوى معارضته لما وضعوه في حق الشيخين ، وإمّا الإعتقاد والإقرار بدلالة الحديث على الأحبيّة ونبذ التأويلات الموهونة ... وأمّا لا هذا ولا ذاك فهذا من وساوس الخناس الأفّاك ، والله ولّي التفضّل بالفهم والإدراك.
وقال العلاّمة محمّد بن إسماعيل الأمير الصنعاني في دلالة حديث الطّير على أحبيّة أمير المؤمنين عليهالسلام بعد إيراد طرقه :
« قلت : هذا الخبر رواه جماعة عن أنس ، منهم : سعيد بن المسيب ،