وعلى كل حال فالمعروف من الإقعاء في اللغة ما عرفت ، واليه يرجع ما عن القاموس وغيره من أنه التساند إلى ما وراءه كما أومأ إليه في الصحاح ، وقد عرفت أن تلك الإشارات في النصوص لا تنطبق عليه ، بل قد سمعت ما في المروي عن معاني الأخبار بناء على أن الجميع من الخبر ، ويؤيده مع ذلك أن الظاهر الإشارة بهذه النصوص إلى ما تفعله العامة ، وعند جماعة منهم أنه سنة ، قال في المحكي عن شرح صحيح مسلم : اعلم أن الإقعاء ورد فيه حديثان : أحدهما أنه سنة ، وفي حديث آخر النهي عنه وقد اختلف العلماء في حكمه وتفسيره اختلافا كثيرا ، والصواب الذي لا معدل عنه أن الإقعاء نوعان : أحدهما أن يلصق ألييه بالأرض وينصب ساقيه ويضع يديه على الأرض كإقعاء الكلب ، هكذا فسره أبو عبيدة معمر بن المثنى وصاحبه أبو القاسم بن سلام وآخرون من أهل اللغة ، وهذا النوع هو المكروه الذي ورد النهي عنه ، والنوع الثاني أن يجعل ألييه على عقبيه بين السجدتين ، وهذا هو مراد ابن عباس أنه سنة ، وقد نص الشافعي على استحبابه في الجلوس بين السجدتين ، وحمل حديث ابن عباس جماعة من المحققين عليه منهم البيهقي والقاضي عياض وآخرون ، قال القاضي قد ورد عن جماعة من الصحابة والسلف أنهم كانوا يفعلونه ، قلت : وهو الذي يستعملونه الآن ، فهو المناسب لبيان حكمه بالنهي عنه ، وإلا فذاك قل ما يفعله أحد ، على أنه هو جلوس القرفصاء التي هي أحد جلسات النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وأفضل الأحوال في النافلة وغيرها مما يصلى من جلوس ، وأفضل جلوس المرأة ، فوجب القطع من جميع ذلك أن المراد هنا بالإقعاء ما سمعته من الأصحاب لا اللغوي ، ولا ينافيه ما في صحيح الثلاثة (١) من التشبيه بإقعاء الكلب ، إذ هو مع أنه عبارة لهم لا من المعصوم عليهالسلام في أحد الوجهين في هذه الكيفية شبيه بإقعاء الكلب أيضا ، ولذا حكي عن الميسية تفسيره
__________________
(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب السجود ـ الحديث ٢.