إنفاقها عليه ولو باستئجار مرضعة أخرى أو بالتماسها ، فلا وجوب حينئذ من حيث كونها أما ، وبذلك يظهر أنه لا حاجة إلى تقييد العبارة بذلك ، كما أن منه يظهر وجه استدلال الأصحاب بالآيتين وإن كان مساقهما في المطلقات ، إذ المراد عدم الوجوب من حيث الأمية التي لا تفاوت فيها بين المطلقة وغيرها ، فما في الحدائق والرياض من النظر في ذلك في غير محله.
بل الظاهر عدم تقييد نحو المتن بغير اللبأ ، وهو أول ما يحلب مطلقا أو إلى ثلاثة أيام ، لوجوب إرضاعه إياه ، لأنه لا يعيش بدونه ، كما أفتى به الفاضل والشهيد لعدم الدليل على وجوبه ، بل ظاهر إطلاق الأدلة خلافه ، ودعوى توقف الحياة عليه يكذبها الوجدان ، ومن هنا حملها بعض الناس على الغالب أو على أنه لا يقوى ولا تشتد بنيته إلا بذلك ، وحينئذ فلا وجه للوجوب ، ولو سلم فهو حينئذ من حيث الضرر لا من حيث كونها أما الذي هو محل البحث ، إذ يمكن ولادته وشربه اللبأ من غيرها مع فرض ولادة أخرى مقارنة لها.
ثم إن الظاهر عدم سقوط الأجرة على تقدير الوجوب ، إذ هو حينئذ كبذل الزاد للمضطر ، فلا يرد أنه لا يجوز أخذ الأجرة على الواجب.
وعلى كل حال بما ذكرنا يصرف ظاهر الطلب المطلق المنصرف إلى الوجوب في قوله تعالى (١) ( وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ ) إلى الاستحباب جمعا بين الأدلة ، وفي الرياض « ويمكن الجمع بحمله إما على الصورتين الأولتين أو على أم ولد المولى » قلت : لكنه كما ترى ، وقد يقال إن المراد من الآية بيان مدة الرضاع لمن أراد أن يتم الرضاعة لا بيان وجوب أصل الرضاع عليهن كما هو واضح بأدنى تأمل.
وكيف كان ف لها أي الأم المطالبة بأجرة رضاعه مع وجود المال له أو الأب الموسر بلا خلاف ولا إشكال ، ضرورة كون نفقته عليه أو على ماله ، ومنها رضاعه المتوقف حياته عليه ، بل قيل : ربما ظهر من إطلاق نحو العبارة
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٣٣.