أما الكفر فقد يقال بتمامه أيضا في غير محقون الدم كالمرتد عن فطرة والحربي ونحوهما ، فإن الإنفاق المنافي للحكم بإزهاق نفسه غير متجه ، وأما محقونه فظاهر الأصحاب والأدلة ما سمعت من وجوب الإنفاق ، ولكنه غير مناف لما ذكرناه من عدمه في غير المحقون ، لكون المراد أن المخالفة في الدين من حيث كونها مخالفة لا يقتضي سقوط النفقة كالإرث ، لا أن المراد الوجوب على كل كافر ، فتأمل جيدا ، والله العالم.
وكيف كان فلا خلاف ولا إشكال في أنه يشترط في وجوب النفقة على المنفق القدرة عليها بعد نفقته ونفقة زوجته التي قد عرفت تقدمها على نفقة القرابة فلو فرض أنه حصل له قدر كفايته خاصة اقتصر على نفسه المقدمة شرعا وعادة على غيرها فان فرض أنه فضل منه شيء فلزوجته كما عرفته سابقا فان فرض أنه فضل منه شيء فللأبوين والأولاد ولا ريب في تحقق القدرة بها على التكسب لنفقة نفسه التي يجب عليه دفع الضرر عنها ، ويحرم عليه إلقاؤها إلى التهلكة ، نعم في كشف اللثام « ويدخل في التكسب السؤال والاستيهاب إن لم يقدر على غيره ـ ثم قال ـ : ويمكن القول بوجوب التكسب بغيره إذا قدر عليه ، لما ورد (١) من التشديد على السؤال ، و « أن المؤمن لا يسأل بالكف» قلت : الظاهر عدم حرمة مطلق السؤال الذي هو بمعنى الاستيهاب ، للأصل والسيرة وغيرهما ، وإنما يحرم منه ما به يحصل هتك العرض الذي يجب على الإنسان حفظه كالنفس والمال ، بل هو أعظم من الأخير منهما ، وإن كان قد يجب مقدمة لحفظ النفس مع فرض الانحصار فيه ، فاحتمال وجوب التكسب بغيره مع التمكن في غير محله.
وكذا يجب عليه التكسب لنفقة زوجته لوجوبها عليه معاوضة ، ولوجوب الإنفاق عليها اتفاقا ، مع أن الغالب في الناس التكسب ، والأصل في الواجب الإطلاق فما عن بعض العامة ـ من عدم وجوبه لها ، لأنها كالدين ـ واضح الضعف ، نعم
__________________
(١) الوسائل الباب ـ ٣١ و ٣٢ ـ من أبواب الصدقة من كتاب الزكاة.