ولكن عرفت أنّ هذا فيما يقع تحت اليد لا إشكال فيه ، وإنّما الكلام فيما لا يقع تحتها ، كما قلنا في صورة حبس الحرّ وهو الذي يقال أنّه مورد لقاعدة التفويت. وقد ذكرنا ما يمكن أن يكون مدركا لقاعدة التفويت ، مع ما فيها من الخلل.
وأمّا ما يقال : إنّ مدركها الروايات ، فالروايات التي نحن اطّلعنا عليها ترجع إلى قاعدة الإتلاف ، وقد ذكرنا عدّة منها في مقام بيان مدرك قاعدة الإتلاف (١) ، وعلى كلّ حال كون قاعدة التفويت في قبال قاعدة الإتلاف ـ وقاعدة الاحترام وقاعدة على اليد قاعدة أخرى ويكون لها مدرك مختصّ بها ـ في غاية الإشكال.
نعم لو قلنا بأنّ منع الحرّ عن استيفاء منافعه بواسطة منعه عن العمل ، أو بواسطة منعه عن استثمار أملاكه موجب للضمان مع عدم كونه مندرجا تحت قاعدة الإتلاف ، ولا تحت قاعدة الاحترام ، ولا تحت قاعدة على اليد ، كما هو المفروض ، فلا بدّ وأن نقول إنّ هناك قاعدة أخرى ، وهي قاعدة التفويت.
فضمان المنافع غير المستوفاة ، ـ بدون وقوعها تحت اليد ولو بتبع العين ، مدركه قاعدة التفويت ، ومدرك قاعدة التفويت ـ بعد الفراغ عن عدم كون المذكورات مدركا له ـ هو بناء العقلاء على ذلك ، مع عدم صدور ردع عن قبل الشارع ، وتقريبه : أنّ في أبواب الضمانات غالبا أمضى الشارع الطرق العرفيّة.
ولا شكّ في أنّ العرف والعقلاء يرون من حبس شخصا حرّا ومنعه عن الاشتغال باشغاله ـ خصوصا إذا كان إشغاله ذات فائدة كثيرة وقيمة كبيرة ـ ضامنا ، ويحكمون بتغريمه وأخذ ما خسره المحبوس عنه.
وهذا دليل قطعيّ على أنّ تفويت المنافع على شخص موجب للضمان ، وإن كانت تلك المنافع غير مستوفاة ، وحيث أنّ الشارع لم يردع عن هذه الطريقة العقلائيّة فعدم
__________________
(١) راجع ج ٢ ، ص ٢٥.