وإذا أنعمنا النظر في نص الآية المبينة للتكليم في قوله تعالى : ( وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ... ) (١) مع الاستعانة بالآيات الأخرى التي يرد فيها ذكر هذا التكليم الخاص ، تتبلور أمامنا ملاحظتان يمكن من خلالها فهم خصوصيته وهما :
١ ـ إن هذه الصورة من التكليم مباينة لجميع الصور والصيغ الأخرى ، فالتكليم من وراء حجاب ، هو وحي أيضاً إلّا أنه أخص من مطلق الوحي ، بدلالة تمييزه تعالى له بالذكر مخصوصاً في مقام بيان بعض من أوحي إليه من الأنبياء في سورة النساء قوله تعالى : ( إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَىٰ نُوحٍ ) إلى قوله تعالى : ( وَرُسُلًا لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَىٰ تَكْلِيمًا ) (٢) ، فخصّ التكليم من سائر الوحي لمن ذكر ، وأما من لم يذكر في القرآن من الأنبياء ، فهم وإن كانوا جميعاً قد ( كلمهم الله تعالى بواسطة الوحي ) (٣). إلّا أن هذا التكليم تضمن استماع الصوت بلا واسطة الوحي.
٢ ـ يتأكد من خلال الآيات أنَّ هذا الكلام المكلّم به من وراء حجاب والذي كان لموسى عليهالسلام هو كلام حقيقي تنتفي عنه أية نسبة إلى الصور البلاغية من استعارة أو تشبيه أو مجاز ... إلخ ، وما يؤكد هذا المعنى الإتيان بالمصدر ( تكليماً ) وهو توكيد لفظي مؤكد لحدوث الفعل ، إضافة إلى أنه مفيد لتحقيق النسبة ورفع توهم المجاز.
كما أن هذا التحديد والتوكيد مبعد لاحتمالات أن يكون الكلام بالإلهام
________________
(١) سورة الشورى : ٤٢ / ٥١.
(٢) سورة النساء : ٤ / ١٦٣ ـ ١٦٤.
(٣) مجمع البيان / الطبرسي ٦ : ١٤١.