وواضح أن الإشارة إلى هذه الحالة بين
الملك والرسول تحمل بين طياتها إشارة إلى مرتبتين مختلفتين يتنزل من إحداهما إلى الأخرى ، وهذا المعنى يفهم منه الشيخ مصطفى عبد الرزاق أن فيه دلالة من خلال ظاهر لفظه على : أنه يمثل صورة مادية للملك ونزوله (١).
ويكاد هذا المعنى يتأكد في الوصف القرآني لهذه العملية مرتبطاً بالمصدر المؤكد لفظياً ، قال تعالى : (
... وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنزِيلًا )
(٢). وقد عبر عن إرسال
الملائكة إلى البشر بإنزالهم في مواضع عديدة مما يتأكد معه اقتران هذا المعنى بما يكون من صلة الإلقاء والتلقي بين الملك والنبي ، قال تعالى : (
... يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ... ) (٣)
، وقال تعالى : ( وَلَوْ أَنَّنَا
نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَىٰ ... )
(٤). فظاهر الآيات دال
على مرتبتين مختلفتين عليا وسفلى ، يتم النزول من الأولى إلى الثانية ، وفي مرتبة العلو نكاد نرصد احتمالات عديدة تمثل معنى الإنزال من خلال الآيات في ذلك وهذه الاحتمالات هي : ١ ـ
أن يكون النزول من الله تعالى ، وهو العالي العلي المطلق ، ينزل الوحي والتشريع إلى أنبيائه كما ينزل الملائكة ، قال تعالى : (
إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ )
(٥) ، وقال تعالى : (
مَا نُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ إِلَّا ________________
(١) الدين والوحي والإسلام / مصطفى عبد الرزاق : ٥٥.
(٢) سورة الفرقان : ٢٥ / ٢٥.
(٣) سورة النحل : ١٦ / ٢.
(٤) سورة الأنعام : ٦ / ١١١.
(٥) سورة الحجر : ١٥ / ٩.