وأنا وليد ، يضمّني إلى صدره ، ويكنفني في فراشه ، ويمسّني جسده ، ويشمّني عرفه. ولقد كنت أتّبعه اتّباع الفصيل أثر أُمّه ، يرفع لي في كلّ يوم علماً من أخلاقه ، ويأمرني بالاقتداء به ، ولقد كان يجاور في كلّ سنة بحراء فأراه ولا يراه غيري وغير خديجة ، ولم يُجمع بين واحد يومئذٍ في الإسلام غير رسول الله صلىاللهعليهوآله وخديجة عليهاالسلام وأنا ثالثهما ، أرى نور الوحي والرسالة ، وأشمّ ريح النبوة ، ولقد سمعت رنّة الشيطان حين نزول الوحي عليه صلىاللهعليهوآله ، فقلت : يا رسول الله ما هذه الرنّة ؟ فقال : هذه رنّة الشيطان ، قد آيس من عبادته. إنّك تسمع ما أسمع ، وترى ما أرى إلّا أنّك لست بنبيّ ، وإنّك لوزير وإنّك لعلى خير » (١).
وقال عليهالسلام : « كنت أسمع الصوت ، وأبصر الضوء سنين سبعاً ، ورسول الله صلىاللهعليهوآله صامت ما أذِن له في الإنذار والتبليغ » (٢).
وهذه الشدّة وما تفرزه من مظاهر خارجية على ملامح النبي صلىاللهعليهوآله إنّما هي من آثار اختراق الحجاب بين العالمين المختلفين اللّذَيْنِ التقيا في عملية الوحي : عالم الملائكة وعالم البشر. وهذه الحالة يرى فيها بعض الباحثين نوعاً من تلقي النبي صلىاللهعليهوآله لموجات ذات طبيعة خاصّة (٣).
إنّ هذه الطبيعة الخاصّة تتمثّل في ما تتضمّنه ظاهرة الوحي من خصوصية الإلقاء في سرعة وخفاء.
فإذا تصورنا عملية إلقاء كَمٍّ هائل من المعارف في لمح خاطف بطريقة
________________
(١) نهج البلاغة : ١٨٢ الخطبة رقم (١٩٠) بشرح الشيخ محمد عبده.
(٢) شرح نهج البلاغة / ابن أبي الحديد المعتزلي ١ : ١٥ ، وبحار الأنوار ٣٨ : ٢٥٤.
(٣) الظاهرة القرآنية / مالك بن نبي : ١٧٩.