التلقي للغيب في مصدره.
فالأنبياء عليهمالسلام ينقلون عن الأصل بالوحي الإلٰهي الذي يتلقونه عنه تعالى ، ويختلفون عن غيرهم كالكهنة والمنجمين الذين يصيبون في أخبارهم أحياناً ، ويفرق الطبري بين الإخبارين في : أن أنبياء الله ورسله يخبرون به ( أي الغيب ) من غير استخراج ولا طلب لمعرفته باحتيال ، ولكن ابتداءً بإعلام الله إياهم من غير أصل تقدم ذلك احتذوه أو بنوا عليه أو فزعوا إليه كما يفزع المنجم إلى حسابه والمتكهّن إلى رأيه (١).
وإخبار الملائكة والأنبياء عليهمالسلام بالغيب مرتبط بما يعبر عنه تعالى بالارتضاء والاصطفاء ، بتخصيص من يلقى إليه علم الغيب باختياره من بين كل البشر.
فالاصطفاء : أخذ صفوة الشي وخالصته ، واصطفاء الله تعالى من الملائكة رسلاً ومن الناس : اختياره من بينهم من يصفو لذلك ويصلح (٢). قال تعالى : ( اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ .. ) (٣) ، ( عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ .. ) (٤) ، ( رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ .. ) (٥).
يفسر قتادة بن ربعي ( ت ١١٧ ه ، ٧٣٥ م ) ذلك بأنّه تعالى ( ربما أطلعه
________________
(١) جامع البيان ٣ : ١٩٣.
(٢) الميزان / الطباطبائي ١٤ : ٤١٩.
(٣) سورة الحجّ : ٢٢ / ٧٥.
(٤) سورة الجنّ : ٧٢ / ٢٦ ـ ٢٧.
(٥) سورة غافر : ٤٠ / ١٥.