قهراً ... فالمُسَخِّر هو المُقيِّض للفعل والسُخريّ هو الذي يُقهَر فيتسخَّر بإرادته (١).
وهذا المعنى يتأكد في القرآن الكريم في قوله تعالى : ( وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ ... ) (٢) ، و ( وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ) (٣). وقال تعالى : ( لَن يَنَالَ اللهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَٰكِن يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنكُمْ كَذَٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ ) (٤).
وبالنظر في مجمل الآراء والتفسيرات المختلفة للوحي إلى النحل نجدها جميعا تنطلق من معنى واحد يجمع بينها وهو أن ما يعبر عنه بالوحي في الآية إنّما يراد به هذه الجبلّة التي يتصرف بها هذا الحيوان العجيب بما أودعه الله فيه من فطرة يهتدي بها في شؤون مسكنه وغذائه ومختلف نواحي حياته. ولا شك أن هذا المعنى يمثل إلهاماً إلهياً ينعكس غريزة عند الحيوان تنطبع بها تصرفاته تتبين الحكمة منه في تسخيره تعالى لهذا الحيوان كما هو في سائر جنسه ليؤدي هذا الدور الذي يؤدّيه وهو الذي عبرت عنه الآيات الواردة بعد آية الوحي للنحل بالمنافع التي خُصّصَت بما تتضمن من شفاء للناس.
والحقيقة أنّ ما يصدر عن هذا الحيوان من وجوه التصرف يلزم منه القول أنها لا يمكن أن تكون إلّا بوحي منه تعالى بالمعنى والتحديد الذي سبق بيانه.
قال الزمخشري : إن تيقنها في صنعتها ولطفها في تدبير أمرها وإصابتها فيما يصلحها دلائل بيّنة شاهدة على أن الله تعالى أودعها علماً بذلك وفطَّنها
________________
(١) المفردات : ٥١٥.
(٢) سورة الجاثية : ٤٥ / ١٣.
(٣) سورة إبراهيم : ١٤ / ٣٣.
(٤) سورة الحج : ٢٢ / ٣٧.