والفراء ، والزجاج وقدامة بن جعفر (١) وغيرهم على أن الوحي هنا بمعنى الإشارة.
والإشارة السريعة أصل من أصول الوحي في العربية كما يقرر الراغب الأصبهاني إذ أن من أنواع الوحي الإشارة ببعض الجوارح. فإنّ معنى وحي زكريا عليهالسلام لقومه عنه هو : رمز أو اعتبار أو كتابة (٢).
ولا يبتعد المفسرون في بيانهم لهذا الوحي عن هذا الإطار إذ أنهم حين يأتون إلى آية وحي زكريا عليهالسلام يستحضرون غالباً المعاني اللغوية للوحي وخصوصاً معنى الإيماء والإشارة أو الكتابة كما قال بعضهم ، فأمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليهالسلام حين يعدد أنواع الوحي الوارد في الكتاب الكريم يَعدُ منها وحي الإشارة (٣) ، ويستشهد عليه بالآية من قوله تعالى : ( فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا ) (٤).
وموضع البحث الذي تناوله المفسرون من الآية هو ما وصفه القرآن نفسه من طبيعة الوحي الذي ينسب إلى زكريا عليهالسلام والذي تمثل في ( الآية ) التي طلبها زكريا عليهالسلام دلالة على استجابته تعالى لدعائه فكانت ( الآية ) امتناعه عن الكلام ثلاثة أيام ، وبما أنه لابد له عليهالسلام من أن يفسر لقومه ما حدث له تمهيداً لظهور أثر استجابة الدعاء بولادة يحيى عليهالسلام وأنه لابدّ لكلامه من بديل فقد بَيَّن تعالى له
________________
(١) انظر : جمهرة اللغة / ابن دريد ١ : ١٧١ ، تهذيب اللغة ٥ : ٢٩٧ ، نقد النثر : ٦٣ وغيرها.
(٢) المفردات : ٥١٥.
(٣) انظر : رسالة في المحكم والمتشابه / المرتضى : ٢١.
(٤) سورة مريم : ١٩ / ١١.