بأن يكون كلامه رمزاً قال تعالى : ( قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا ) (١) ، أما تفسير هذا الرمز فهو ما كان زكريا عليهالسلام قد فهمه منه وما ألهمه الله من تطبيق له فجاء ذلك تطبيقاً متكاملاً للأمر بعدم الكلام ، فكان طريق تفاهمه مع قومه هو الوحي وما يتضمنه هنا من أصول لغوية أسسها الخفاء وامتناع ظهور الصوت ، وتوافر الإعلام والتفهيم للمقصود إلقاؤه إليهم ، فالآية الكريمة ( فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا .. ) بيَّنت أن طريقة كلامه عليهالسلام بالرمز كانت : أنه كلمهم وحياً.
ومن هذا المدخل تناول المفسرون الآية للبحث في طريقة هذا الوحي ، لأنّ الوحي له مصاديق متعددة يشكل وحي زكريا عليهالسلام لقومه أحدها.
وقد كان اختيار أغلب المفسرين والعلماء لطريقة وحيه عليهالسلام أنها كانت الإشارة والإيماء ، ومن هؤلاء جَمْعٌ من أعلام علماء الأمة كابن عباس ، والضحاك ، وقتادة ، والحسن ، والربيع ، والسدي ، وابن زيد ، وابن إسحاق ، وابن جريج ، والكلبي ، وابن منبه وغيرهم (٢).
ويؤيد ذلك ما ورد في تفسير العياشي عن الإمام الصادق عليهالسلام : ( لما سأل زكريا ربه أن يهب له ذكرا فوهب الله له يحيى فدخله من ذلك فقال عليهالسلام : ( رَبِّ اجْعَل لِّي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا ) فكان يومئ برأسه وهو الرمز ) (٣).
وقد استفاد الشيخ المفيد أن معنى الخفاء في الوحي هو ما جعله يُشَبَّه
________________
(١) سورة آل عمران : ٣ / ٤١.
(٢) انظر : جامع البيان / الطبري ٣ : ١٧٩ ، جامع أحكام القرآن / القرطبي ١١ : ٨٥.
(٣) تفسير العياشي ١ : ١٧٢.