الخلاف لمن تدبر ذلك. وحيث تحرم الْغِيبَةُ يدخل فيها أمور ذكر بعضها بعض علمائنا : كنقصان يتعلق في البدن كالعمش والعور ، وفي النسب كفاسق الأب وخسيس النسب ، وفي الخلق كأن يقول سيىء الخلق بخيل ، وبالفعل المتعلق بالدين كسارق كذاب وبالدنيا كقليل الأدب متهاون بالناس ، وبالثوب كقولك واسع الكم طويل الذيل ... إلى أن قال : إن ذلك لا يكون مقصورا على التلفظ به بل التعريض به والإشارة كذلك ، وكذا الإيماء والغمز وكلما يفهم منه المقصود داخل في الْغِيبَةِ مساو للتصريح في المعنى. قال : ومن ذلك ما
رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ : دَخَلَتْ عَلَيْنَا امْرَأَةٌ فَلَمَّا وَلَّتْ أَوْمَأْتُ بِيَدِي ، أَيْ قَصِيرَةٌ. فَقَالَ (ص) : اغْتَبْتِيهَا.
ولا بأس بملاحظة ما ذكر ولو من باب الأولوية. ونقل الاتفاق على جواز الْغِيبَةِ في مواضع : كالشهادة ، والنهي عن المنكر ، وشهادة ونصح المستشير ، وجرح الشاهد والراوي ، وتفضيل بعض العلماء والصناع على بعض ، وغِيبَةِ المتظاهر بالفسق الغير المستنكف ، وذكر المشتهر بوصف متميز له كالأعرج والأعور لا على سبيل الاحتقار والذم ، وذكره عند من يعرفه بذلك بشرط عدم سماع غيره ، والتنبيه على الخطإ في المسائل العلمية بقصد أن لا يتبعه أحد فيها (١).
وَفِي الْحَدِيثِ : « مَنْ ذَكَرَ رَجُلاً مِنْ خَلْفِهِ بِمَا هُوَ فِيهِ مِمَّا عَرَفَهُ النَّاسُ لَمْ يَغْتَبْهُ » (٢).
المراد بِقَوْلِهِ « مِنْ خَلْفِهِ ». يعني رجلا غَائِباً ليس بحاضر. قَوْلُهُ « مِمَّا عَرَفَهُ النَّاسُ ».
كالحدة والعجلة ونحو ذلك مما اشتهر فيه بين الناس. وغَابَ القمر غِيَاباً وغَيْبُوبَةً ، وتَغَيَّبَ أيضا : أي غرب وتوارى.
وَفِي الْحَدِيثِ : « حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ حَتَّى غَابَ قُرْصُهَا ». فحتى الثانية على ما ذكر بيان للسابقة إزالة لتوهم التجوز.
__________________
(١) هذا الكلام مختصر لما جاء في كتاب كشف الريبة للشهيد الثاني. انظر تفصيله ص ٤١ ـ ٤٥.
(٢) الكافي ج ٢ ص٣٥٨.