يغمه لو سمعه ، فإن كان صدقا سمي غِيبَةً وإن كان كذبا سمي بهتانا ، وتصديق ذلك
مَا رُوِيَ عَنْهُ (ص) أَنَّهُ قَالَ لِأَصْحَابِهِ : هَلْ تَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ؟ فَقَالُوا : اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ : ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ. قَالَ : أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ؟ قَالَ : إِنْ كَانَ مَا تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَقَدْ بَهَتَّهُ (١).
إذا عرفت هذا فاعلم أنه لا ريب في اختصاص تحريم الْغِيبَةِ بمن يعتقد الحق ، فإن أدلة الحكم غير متناولة لأهل الضلال كتابا ولا سنة ، بل في بعض الأخبار تصريح بسبهم والوقيعة فيهم ، كما
رُوِيَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ دَاوُدَ بْنِ سِرْحَانَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (ع) قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ (ص) : « إِذَا رَأَيْتُمْ أَهْلَ الرَّيْبِ وَالْبِدَعِ مِنْ بَعْدِي فَأَظْهِرُوا الْبَرَاءَةَ مِنْهُمْ وَأَكْثِرُوا مِنْ سَبِّهِمْ وَالْقَوْلَ فِيهِمْ وَالْوَقِيعَةَ ، وَبَاهِتُوهُمْ كَيْلَا يَطْمَعُوا فِي الْفَسَادِ فِي الْإِسْلَامِ وَيَحْذَرَهُمُ النَّاسُ وَلَا يَتَعَلَّمُونَ مِنْ بِدَعِهِمْ ، يَكْتُبِ اللهُ لَكُمُ الْحَسَنَاتِ وَيَرْفَعْ لَكُمْ بِهِ الدَّرَجَاتِ فِي الْآخِرَةِ » (٢).
بل ظاهر جملة من الأخبار اختصاص التحريم بمن يعتقد الحق ويتصف بصفات مخصوصة ، كالستر والعفاف وكف البطن والفرج واليد واللسان واجتناب الكبائر ونحو ذلك من الصفات المخصوصة المذكورة في محالها ، التي إذا حصلت في المكلف حرم على المسلمين ما وراء ذلك من عثراته وعيوبه ، ويجب عليهم تزكيته وإظهار عدالته في الناس ، فأما من لم يتصف بذلك فلم يقم دليل على تحريم غيبته ، ويؤيد ما ذكرناه ما
رُوِيَ فِي الْكَافِي عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (ع) قَالَ : مَنْ عَامَلَ النَّاسَ فَلَمْ يَظْلِمْهُمْ وَحَدَّثَهُمْ فَلَمْ يَكْذِبْهُمْ وَوَعَدَهُمْ فَلَمْ يُخْلِفْهُمْ كَانَ مِمَّنْ حَرُمَتْ غِيبَتُهُ وَكَمَلَتْ مُرُؤَتُهُ وَظَهَرَتْ عَدَالَتُهُ وَوَجَبَتْ أُخُوَّتُهُ.
وبما ذكرناه يظهر أن المنع من غِيبَةِ الفاسق المصر ـ كما يميل إليه كلام بعض من تأخر ـ ليس بالوجه ، لأن دلالة الأدلة على اختصاص الحكم بغيره أظهر من أن يبين. وما ورد من تحريم الْغِيبَةِ على العموم كلها من طرق أهل
__________________
(١) كشف الريبة ص ٢٠.
(٢) سفينة البحار ج ١ ص ٦٣.