أي ومن كان يريد بعمله نفع الدنيا نعطه نصيبه من الدنيا ، لا جميع ما يريد على حسب ما يقتضيه الحكمة ، كما قال سبحانه ( عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ ). وقوله : ( وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ ) [ ٢١ / ٧٨ ] الآية.
رُوِيَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (ع) قَالَ : كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ كَانَ لَهُ كَرْمٌ وَنَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ رَجُلٍ آخَرَ بِاللَّيْلِ فَقَضَمَتْهُ وَأَفْسَدَتْهُ ، فَجَاءَ صَاحِبُ الْكَرْمِ إِلَى دَاوُدَ (ع) فَاسْتَعْدَاهُ عَلَى صَاحِبِ الْغَنَمِ ، فَقَالَ دَاوُدُ : اذْهَبَا إِلَى سُلَيْمَانَ لِيَحْكُمَ بَيْنَكُمَا ، فَذَهَبَا إِلَيْهِ فَقَالَ سُلَيْمَانُ (ع) : إِنْ كَانَتِ الْغَنَمُ أَكَلَتِ الْأَصْلَ [ وَالْفَرْعَ ] فَعَلَى صَاحِبِ الْغَنَمِ [ أَنْ يَدْفَعَ إِلَى صَاحِبِ الْكَرْمِ ] الْغَنَمَ وَمَا فِي بُطُونِهَا ، وَإِنْ كَانَتْ ذَهَبَتْ بِالْفَرْعِ وَلَمْ تَذْهَبْ بِالْأَصْلِ فَإِنَّهُ يَدْفَعُ وَلَدَهَا إِلَى صَاحِبِ الْكَرَمِ ، فَكَانَ هَذَا حُكْمَ دَاوُدَ وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يُعَرِّفَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّ سُلَيْمَانَ وَصِيُّهُ بَعْدَهُ وَلَمْ يَخْتَلِفَا فِي الْحُكْمِ ، وَلَوْ اخْتَلَفَ حُكْمُهُمَا لَقَالَ لَكُنَّا لِحُكْمِيِهِمَا شَاهِدَيْنِ (١).
قوله : ( نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ ) [ ٢ / ٢٢٣ ] أي بمنزلة الأرض التي يزرع فيها ، شبهت النطفة التي تلقى في أرحامهن للإيلاد بالبذر الذي يلقى في الْمَحَارِثِ للاستنبات. قوله : ( وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ) [ ٢ / ٢٠٥ ] قال : الْحَرْثُ في هذا الموضع الدين ، والنسل الناس.
قِيلَ نَزَلَتْ فِي الثَّانِي وَقِيلَ فِي مُعَاوِيَةَ ـ كَذَا فِي تَفْسِيرِ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ (٢).
وَعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (ع) « الْمَالُ وَالْبَنُونَ حَرْثُ الدُّنْيَا وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ حَرْثُ الْآخِرَةِ ، وَقَدْ يَجْمَعَهُمَا اللهُ لِأَقْوَامٍ ».
والْحَرْثُ : إصلاح الأرض وإلقاء البذر فيها ، ويسمى الزرع الْحَرْثَ أيضا.
وَفِي الْحَدِيثِ : « احْرِثْ لِدُنْيَاكَ كَأَنَّكَ تَعِيشُ أَبَداً وَاعْمَلْ لِآخِرَتِكَ كَأَنَّكَ تَمُوتُ غَداً ».
والمعنى اعمل لدنياك ، فخالف بين اللفظين ، وظاهره الحث على عمارة
__________________
(١) تفسير علي بن إبراهيم ص ٤٣١.
(٢) انظر التفسير ص ٦١.