تفعم الخياشيم طيبا وتأخذ الأبصار صبغة ولونا ، ( فاقِعٌ لَوْنُها تَسُرُّ النَّاظِرِينَ ) ، تتوق إليها النفس قبل التناول ، يفيد أكلها بعد الالتذاذ بذواقها ، طيب نكهة ودباغ معدة وقوة هضم ، اشتركت بها الحواس الأربعة البصر والذوق والشم واللمس ، لأنها تملأ الكف بكبر حجمها ، وهذه هي الغاية القصوى في انتهاء الثمرات إليها ، إذ ليس فيها ما يزيد عليها. ثم إنها في أجزائها تنقسم على طبائع قلما ينقسم غيرها فقشرها حار يابس ، ولحمها رطب وقيل بارد ، وحماضها بارد يابس ، وبزرها حار مجفف. وتدخل هذه الأجزاء الأربعة في الأدوية الصالحة للأدواء المزمنة والأوجاع المقلقة والأمراض المردية كالفالج واللقوة والبرص واليرقان واسترخاء العصب والبواسير والشربة من بزره تقاوم السموم كلها ، وقشره مسمن ، وعصارة قشره ينفع من سم الأفاعي شربا ، وجرمه ضمادا ، ورائحته تصلح فساد الهواء والوباء. فأية ثمرة تبلغ هذا المبلغ في كمال الخلقة وعموم المنفعة وكثرة الخواص. ثم نقول : إن الشارع عليه السلام ضرب المثل بما تنتبه الأرض وتخرجه الشجر للمشابهة التي بينها وبين الأعمال لأنها من ثمرات النفوس ، والمثل وإن ضرب للمؤمن وحده فإن العبرة فيه بالعمل الذي يصدر منه ، لأن الأعمال هي الكاشفة عن حقيقة الحال ، ومنها أنه ضرب مثل المؤمن بِالْأُتْرُجَّةِ والثمرة وهما مما تخرجه الشجر ، وضرب مثل المنافق بما تنبت الأرض تنبيها على علو شأن المؤمن وارتفاع عمله ودوام ذلك وبقائه وضعة شأن المنافق وسقوط محله ، ومنها أن الأشجار لا تخلو عن من يؤنسها فيسقيها ويصلح أودها ويربيها ، وكذلك المؤمن يحتاج إلى من يؤدبه ويعلمه ويهديه ويلم شعثه ويسويه ، ولا كذلك الحنظلة المهملة المتروكة بالعراء ، والمنافق الذي وكل إلى شيطانه وطبعه وهواه.
وَفِي الْخَبَرِ « لَا يَدْخُلُ الْجِنُّ (الشَّيْطَانُ) بَيْتاً فِيهِ الْأُتْرُجُ ».
قال صاحب حياة الحيوان : ولهذا ضرب النبي (ص) المثل للمؤمن الذي يقرأ القرآن بِالْأُتْرُجَّةِ