( وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ ).
وَفِي حَدِيثِ الصَّادِقِ (ع) « كَانَ الذَّبِيحُ إِسْمَاعِيلَ لَكِنَّ إِسْحَاقَ لَمَّا وُلِدَ تَمَنَّى أَنْ يَكُونَ هُوَ الذَّبِيحَ لِيَنَالَ دَرَجَةَ إِسْمَاعِيلَ فَسَمَّاهُ اللهُ ذَبِيحاً بَيْنَ الْمَلَائِكَةِ لِتَمَنِّيهِ لِذَلِكَ » (١).
وَعَنِ الْبَاقِرِ (ع) « أَرَادَ إِبْرَاهِيمُ أَنْ يَذْبَحَ ابْنَهُ إِسْمَاعِيلَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي حَمَلَتْ أُمُّ رَسُولِ اللهِ (ص) عِنْدَ الْجَمْرَةِ الْوُسْطَى ، فَلَمْ يَزَلْ مَضْرَبَهُمْ يَتَوَارَثُونَهُ كَابِراً عَنْ كَابِرٍ حَتَّى كَانَ آخِرَ مَنِ ارْتَحَلَ مِنْهُ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليه السلام فِي شَيْءٍ كَانَ بَيْنَ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي أُمَيَّةَ ، فَارْتَحَلَ فَضَرَبَ بِالْعَرِينِ » (٢).
والذَّبِيحُ : الْمَذْبُوحُ ، والذَّبِيحَةُ مثله ، والهاء لغلبة الاسم.
وَقَوْلُهُ (ص) « أَنَا ابْنُ الذَّبِيحَيْنِ ».
كَانَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ قَدْ رَأَى فِي الْمَنَامِ أَنَّهُ يَحْفِرُ زَمْزَمَ وَنَعَتَ لَهُ مَوْضِعَهَا ، فَقَامَ يَحْفِرُ وَلَيْسَ لَهُ وَلَدٌ إِلَّا الْحَارِثُ ، فَنَذَرَ لَئِنْ وُلِدَ لَهُ عَشْرَةٌ ثُمَّ بَلَغُوا لَيَنْحَرَنَّ أَحَدَهُمْ عِنْدَ الْكَعْبَةِ ، فَلَمَّا تَمُّوا عَشْرَةً أَخْبَرَهُمْ بِنَذْرِهِ فَأَطَاعُوهُ وَكَتَبَ كُلٌّ مِنْهُمْ اسْمَهُ فِي قِدْحٍ فَخَرَجَ عَلَى عَبْدِ اللهِ ، فَأَخَذَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ الشَّفْرَةَ لِنَحْرِهِ فَقَامَتْ قُرَيْشٌ مِنْ أَنْدِيَتِهَا وَقَالُوا : لَا تَفْعَلْ حَتَّى تَنْظُرَ فِيهِ ، فَانْطَلَقَ إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ : قَرِّبُوا عَشْرَةً مِنَ الْإِبِلِ ثُمَّ اضْرِبُوا عَلَيْهَا وَعَلَى الْقِدَاحِ فَإِنْ خَرَجَتْ عَلَى صَاحِبِكُمْ فَزِيدُوا مِنَ الْإِبِلِ حَتَّى يَرْضَى رَبُّكُمْ ، فَقَرَّبُوا عَشْرَةً فَخَرَجَتْ عَلَى عَبْدِ اللهِ ، ثُمَّ زَادُوا عَشْرَةً فَخَرَجَتْ عَلَى عَبْدِ اللهِ ، فَلَمْ يَزَالُوا حَتَّى صَارَتْ مِائَةً فَخَرَجَتِ الْقِدَاحُ عَلَى الْإِبِلِ فَنُحِرَتْ ، ثُمَّ تُرِكَتْ لَا يُصَدُّ عَنْهَا إِنْسَانٌ وَلَا سَبُعٌ.
فلذلك قَالَ (ص) أَنَا ابْنُ الذَّبِيحَيْنِ.
وَفِي الْخَبَرِ « مَنْ وُلِّيَ قَاضِياً فَقَدْ ذَبَحَ نَفْسَهُ بِغَيْرِ سِكِّينٍ ».
قيل معناه التحذير من طلب القضاء ، والذِّبْحُ مجاز عن الهلاك. وقَوْلُهُ « بِغَيْرِ سِكِّينٍ ».
إعلام بأنه أراد إهلاك دينه لا بدنه أو مبالغة ، فإن الذِّبْحَ بالسكين راحة وخلاص من الألم وبغيره تعذيب ، فضرب به المثل ليكون أشد في التوقي منه.
__________________
(١) البرهان ج ٤ ص٣١.
(٢) المصدر السابق ج ٤ ص ٢٩.