للمجاهدين في القتال. قال المفسر : أي لا تنازعوا في لقاء العدو ولا تختلفوا فيما بينكم فتجنبوا عن عدوكم وتضعفوا عن قتالهم ، و ( تَذْهَبَ رِيحُكُمْ ) أي تذهب صولتكم وقوتكم ونصرتكم ودولتكم. والرِّيحُ هنا كناية عن نفاذ الأمر وجريانه على المراد ، تقول العرب « هبت رِيحُ فلان » إذا جرى أمره على ما يريد. وركدت رِيحُهُ : إذا دبر أمره (١). قوله : ( وَرُوحٌ مِنْهُ ) [ ٤ / ١٧١ ] يعني عيسى (ع) أي رُوحٌ مخلوق منه ، وإضافتها إليه للتشريف كناقة الله.
وَعَنِ الْبَاقِرِ (ع) فِي قَوْلِهِ ( وَرُوحٌ مِنْهُ ) قَالَ : رُوحٌ مَخْلُوقَةٌ خَلَقَهَا اللهُ فِي آدَمَ وَعِيسَى (٢) ،.
وكأن المعنى خلقها فيهما من غير جري العادة وخلقها في غيرهما يجري العادة ، ففيها زيادة اختصاص. ومثله قوله في آدم (ع) ( وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي ) وفِي الْحَدِيثِ عَنِ الصَّادِقِ عليه السلام فِي قَوْلِهِ : ( وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي ) قَالَ : إِنَ الرُّوحَ مُتَحَرِّكَةٌ كَالرِّيحِ ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ رُوحاً لِأَنَّهُ اشْتُقَّ اسْمُهُ مِنَ الرِّيحِ ، وَإِنَّمَا أَخْرَجَهُ عَلَى لَفْظِ الرِّيحِ لِأَنَ الرُّوحَ مُجَانِسٌ لِلرِّيحِ ، وَإِنَّمَا أَضَافَهُ إِلَى نَفْسِهِ لِأَنَّهُ اصْطَفَاهُ عَلَى سَائِرِ الْأَرْوَاحِ كَمَا قَالَ : « لِبَيْتٍ مِنَ الْبُيُوتِ بَيْتِي » وَقَالَ « لِرَسُولٍ مِنَ الرُّسُلِ خَلِيلِي » وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ ، وَكُلُّ ذَلِكَ مَخْلُوقٌ مَصْنُوعٌ مُحْدَثٌ.
ـ انتهى (٣). قال بعض الأفاضل قوله « الرُّوحُ متحركة كَالرِّيحِ » إنما يصح في الجسم البخاري الذي يتكون من لطافة الأخلاط وبخاريتها لا في الرُّوحِ المجرد. قوله : ( نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ ) [ ١٦ / ١٠٢ ] قال المفسر : يعني به جبرئيل ، أضيف إلى القدس ـ وهو الطهر ـ كقولهم « حاتم الجود » و « زيد الخير » ، والمراد الرُّوحُ المقدس وحاتم الجواد.
__________________
(١) مجمع البيان ج ٢ ص ٥٤٨.
(٢) نقل هذا المعنى في البرهان ج ١ ص ٤٢٨ عن الصادق عليه السلام
(٣) البرهان ج ٢ ص٣٤١.