إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ. وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرادُ. ما سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ ) فَلَمَّا فَتَحَ اللهُ عَلَى نَبِيِّهِ مَكَّةَ قَالَ : يَا مُحَمَّدُ ( إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً. لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ ) عِنْدَ مُشْرِكِي مَكَّةَ بِدُعَائِكَ إِلَى التَّوْحِيدِ فِيمَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ.
قوله : ( فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ ) [ ٥١ / ٥٩ ] هو بفتح الذال كرسول ، أي نصيب من العذاب مثل نصيب أصحابهم ونظرائهم من القرون المهلكة. و « ذَنُوبٌ » في الأصل : الدلو العظيم ، لا يقال لها ذَنُوبٌ إلا وفيها ماء ، وكانوا يستقون فيها لكل واحد ذَنُوبٌ ، فجعل الذَّنُوبُ النصيب. ومنه حَدِيثُ بَوْلِ الْأَعْرَابِيِّ فِي الْمَسْجِدِ : « ثُمَّ أَمَرَ بِذَنُوبٍ مِنْ مَاءٍ فَأُرِيقَ عَلَيْهِ ».
قوله : ( فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا ) فسرت بالكبائر ( وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا ) [٣ / ١٩٣ ] فسرت بالصغائر ، أي اجعلها مكفرة عنا بتوفيقك لاجتناب الكبائر.
وَفِي الْحَدِيثِ : « لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَجَاءَ اللهُ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ ».
قيل لم يرد هذا الحديث مورد تسلية المنهمكين في الذُّنُوبِ وتهوين أمرها على النفوس وقلة الاحتفال منهم بمواقعتها على ما يتوهمه أهل الغرة بالله ، فإن الأنبياء إنما بعثوا ليردعوا الناس عن الذُّنُوبِ واسترسال أنفسهم فيها ، بل ورد مورد البيان لعفو الله عن الْمُذْنِبِينَ وحسن التجاوز عنهم ليعظموا الرغبة في التوبة والاستغفار ، والمعنى المراد من الحديث : هو أن الله تعالى كما أحب أن يحسن إلى المحسن أحب أن يتجاوز عن المسيء. والذَّنْبُ : الإثم ، والجمع « ذُنُوبٌ » بضم الذال. وفِيهِ : « مَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ ، وَمَنْ وَقَفَ بِالْمَشْعَرِ خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ ».
ونحو ذلك ، ولعل الوجه في تكرر ذكر الخروج من الذُّنُوبِ كما قيل تأكيد البعد عنها والتنصل عن تبعاتها ، أو لأنه يحصل بأداء كل نسك من تلك