وروي أن الحيوان أجمع من البهائم ، والطير ونحوها لا تدخر القوت لغدها ، الا ابن آدم والنملة والفارة ، بل تأكل منها كفايتها فقط.
ونزلت الآية من أولها « يا عبادي الذين آمنوا ان أرضي واسعة فإياي فاعبدون » (١) إلى ههنا في أهل مكة المؤمنين منهم ، فإنهم قالوا : يا رسول الله ليس لنا بالمدينة أموال ولا منازل فمن أين المعاش؟ فأنزل الله الآية (٢).
(فصل)
وقوله تعالى « لتبلون في أموالكم وأنفسكم » (٣) معناه لتختبرن ما يفعل بكم من الفقر وشدة العسر وبما تؤمرون من الزكوات والانفاق في سبيل الله في أموالكم كما تختبرون بالعبادات في أنفسكم ، وانما فعله لتصبروا ، فسماه بلوى مجازا ، لان حقيقته لا تجوز على الله.
وكفى للمكلفين واعظا بقوله تعالى « لقد كان لسبأ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له » (٤). فان أرض سبأ كانت من أطيب البقاع ، لم يجعل الله فيها شيئا من هوام الأرض نحو البق والبراغيث ولا العقرب ولا غيرها من المؤذيات ، وكان الغريب إذا دخل أرضهم وفى ثيابه قمل مات.
فهذه آية والآية الثانية أن المرأة كانت تأخذ على رأسها مكيلا فتملا بالفواكه من غير أن تمس بيدها شيئا.
__________________
١) سورة العنكبوت : ٥٦.
٢) مجمع البيان ٤ / ٢٩٠.
٣) سورة آل عمران : ١٨٦.
٤) سورة سبأ : ١٥.