الأول وهي الثانية ، كان من أعجب الحكم الإلهية ومن لطيف الفصاحة وغريب البراعة. فعلى هذا لا يكون قوله « واللائي لم يحضن » مشروطا مقيدا بجميع ما قيدت الجملة الأولى به ، بل يقدر خبر المبتدأ فيه على ما وردت به الأحاديث الصحيحة.
(فصل)
(في طلاق المستقيمة الحيض)
قال الله تعالى « والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء » (١). أمر سبحانه بذلك انه إذا أراد الرجل أن يطلق امرأته التي دخل بها وهو غير غائب عنها وهي ممن تحيض حيضا مستقيما فليطلقها وهي طاهر طهرا لم يقربها فيه بجماع وشهد على ذلك شاهدين تطليقة واحدة ، ولتعتد هي ثلاثة أقراء وهي الأطهار ، فإذا رأت الدم من الحيضة الثالثة فقد ملكت نفسها ولم يكن له عليها سبيل.
فالقرء الطهر عندنا ، وبه قال أكثر الصحابة والتابعين والفقهاء والمفسرين.
وأصل القرء في اللغة يحتمل وجهين (٢) :
أحدهما : الاجتماع ، ومنه « قرأت القرآن » لاجتماع حروفه. فعلى هذا يقال أقرأت المرأة إذا حاضت في قول الأصمعي والكسائي. فتأويل ذلك اجتماع
__________________
١) سورة البقرة : ٢٢٨.
٢) قال الراغب الأصبهاني : القرء في الحقيقة اسم للدخول في الحيض عن طهر ، ولما كان اسما جامعا للامرين الطهر والحيض المتعقب له اطلق على كل واحد منهما ، لان كل اسم موضوع لمعنيين معا يطلق على كل واحد منهما إذا انفردت كالمائدة للخوان وللطعام ، ثم قد يسمى كل واحد منهما بانفراده به ، وليس القرء اسما للطهر مجردا ولا للحيض مجردا ، بدلالة أن الطاهر التي لم تر أثر الدم لا يقال لها ذات قرء ، وكذا الحائض التي استمر بها الدم والنفساء لا يقال لها ذلك ـ المفردات ص ٤١٣.