الفرعية العملية ، فلا يوجد دليل على وجوب التعبّد بها.
وأمّا من الجهة الثانية ، فلا ريب في ظهورها في ذلك في حدّ نفسها ، وإن لم يبلغ إلى مرتبة النصّ.
وقد أوّل الشيخ المفيد الخلق بالتقدير ، كما أنّه يمكن حملها على نوع من التمثيل والاستعارة ، إذا وجد دليل قطعي معارض لمدلولها.
وأمّا من الجهة الثالثة ، فقد دار البحث بين الفلاسفة حول حدوث النفس وقدمها ، وذهب أصحاب مدرسة صدر المتإلهيّن ، إلى أنّها تحدث بحدوث البدن ، غير بالغة حدّ التجرّد العقلي متحركة نحوه ، ولا مجال لذكر أدلّتهم ونقدها هاهنا.
وهناك أمر يتعلّق بمعرفة شؤون النفس ، يستعصي على الأذهان المتوغّلة في المادّيات ، ولعلّ إجادة التأمّل فيه يعين على حلّ العويصة ، وهو : أنّ النفس وإن كانت أمراً متعلّقاً بالمادّة ، بل ناشئاً عنها ومتحداً بها ، وبهذا الاعتبار صحّ مقايستها بالحوادث ، واتصافها بالمقارنة والتقدّم والتأخر زماناً ، إلاّ أنّها حين ما تدخل في حظيرة التجرّد ، تجد نفسها محيطة بالبدن ، من ناحية البدء والنهاية ، وأنّ شعاعها يمتد إلى ما قبل حدوث البدن ، كما أنّه يمتد إلى ما بعد انحلاله.
فالذي ينظر إلى جوهرها المجرّد ، من فوق عالم الطبيعة ، يجدها خارجة عن وعاء الزمان محيطة به ، وإذا قايسها إلى ظاهرة مادّية ، واقعة في ظرف الزمان كالبدن ، يجدها موجودة معها وقبلها وبعدها ، فيصحّ له أن يحكم بتقدّم وجودها على وجود البدن ، مع أنّ من ينظر إليها من نافذة عالم المادّة ، ويعتبرها أمراً متعلّقاً بالبدن ، بل مرتبة كاملة له ، انتهى إليها بالحركة الجوهرية ، وبهذا الاعتبار يسمّيها نفساً ، يحكم بحدوثها عند حدوث البدن ، وحصول التجرّد لها بعد ذلك ، ولا منافاة بين النظرين ، وبهذا يمكن الجمع بين القولين.